بقلم: سامي الباقر
لم يشهد الواقع الاقتصادي للعاملين بالدولة، والقطاعين الخاص وغير المنظم، انهيارًا متتاليًا، كالذي عايشه خلال تولي السيد/ جبريل إبراهيم لحقيبة الاقتصاد والمالية. ذلك لأنه انهيار وفشل مقروناً بصلف وعنجهية، جعلته ينكر على العاملين مجرد الحديث عن استحقاقاتهم، فكان التجاهل واللامبالاة سلوكًا اتسم به الرجل، منذ تسنمه الوزارة، وكأن لسان حاله يقول للجميع (أتيت إلى هذا الموقع محمولاً على ظهر بندقيتي، ولن التفت لما سوى ذلك).
المتابع لملف حقوق العاملين، يلاحظ تغافل وزارة المالية وتجاهلها – في عهد جبريل إبراهيم – لهذه الحقوق، وممارسة أسلوب التعامي أحيانا، والاستغفال أحيانًا أخرى، فكلنا نذكر حادثة صرف المرتب بهيكلين في ميزانية العام 2022م ( عندما أقرت الوزارة زيادة الحد الأدنى للأجور من (3 ألف جنيه) إلى ( 12 ألف جنيه)، مع الإبقاء على العلاوات والبدلات، بهيكل 2020م).
هذا التحايل جعل الزيادة المزعومة، ليست ذات جدوى، لأن زيادة المرتب الأساسي – وحتى تكون مجدية – فلا بد من أن تصحبها زيادة في العلاوات والبدلات، ولا يوجد – في العالم- مرتب يتم صرفه بهيكلين (هيكل للمرتب الأساسي وهيكل للعلاوات)، ولعل الدافع لذلك كان هو خفض نسبة الإنفاق على الفصل الأول، مع الظفر بكسب سياسي بزيادة المرتبات، في تحايل وتدليس واضح، لا يليق بمؤسسة دولة محترمة.
عقب حرب 15 أبريل 2023م، تجاهل السيد الوزير قضية المرتبات تجاهلاً تامًا، وتوقفت الوزارة عن دفع المرتبات، لما يقارب العام، وحينما بدأت في صرف الرواتب، اقتصر التزامها على المستوى الاتحادي، وترك أمر صرف المرتبات في المستويين الولائي والمحلي على الولايات والمحليات، وهذا أيضًا يعد تحايلاً غير مقبول، لأن نسبة العاملين في الدولة، على المستوى الاتحادي، لا تتعدى الـ5% من جملة العاملين، على أحسن الفروض.
أخيراً تفتقت عبقرية السيد الوزير- بعد إحساسه بضرورة وجود محلل لما يفعله بالعاملين – عن فكرة الاتفاق مع ما يعرف بـ( اتحاد عام نقابات عمال السودان)، أو (اتحاد المؤتمر الوطني)، الذي تم قبره منذ العام 2019م، ولكن الوزير وجد فيه ضالته، فهو اتحاد صمم لتمرير سياسات الحكومة المجحفة في حق العاملين، وظل يمارس هذا الدور – بامتياز – طيلة فترة الإنقاذ، وبصورة أدق منذ تكوينه في العام 1992م، عقب سيطرة الإسلاميين على جهاز الدولة بالكامل، فلجأوا إلى حيلة اختطاف العمل النقابي، عبر واجهات لا تعبر عن العاملين، بل كانت يدًا باطشةً، يضرب بها جهاز الأمن، الأصوات التي تحاول استعادة العمل النقابي.
لقاء جبريل بوفد اتحاد عمال المؤتمر الوطني المقبور، يهدف إلى تمرير سياساته التي تأذى منها العاملون طيلة تواجده في وزارة المالية، حيث أصبح العاملون – بلا استثناء – تحت خط الفقر المدقع، فالحد الأدنى للأجور ما زال (12 ألف جنيه) أي ما يعادل ثلاثة دولارات ونصف فقط، بينما الحد الأعلى (96 ألف جنيه) ويعادل أقل من ثلاثين دولاراً فقط، كأقل حد أدنى على مستوى العالم، بينما تآكلت العلاوات المكملة للمرتب، بسبب عدم زيادتها منذ العام 2022م، مقروناً بزيادة غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات، تصل إلى أكثر من 10 أضعاف.
هذا الواقع المزري يتطلب اصطفافاً موحداً، من قبل العاملين، لتغيير هذا الواقع البائس، ولا شك أن هذه الخطوة، لن تتم إلا بالعمل الجاد على عزل محاولات اختطاف صوت العاملين، وبناء الأجسام النقابية بصورة حقيقية.
أما السيد الوزير، فهو واحد من تمظهرات النظام ثلاثي الأبعاد.
30 سبتمبر 2025م

Leave a Reply