
عبد المنعم مختار
#ملف_الهدف_الثقافي
سورة (الكهف) من السور المكية التي نزلت لتكون منارة للمؤمن في مواجهة فتن الدنيا، بما حملته من قصص متفرّعة: أصحاب الكهف، الرجلين والجنتين، موسى مع العبد الصالح، وذي القرنين. كل هذه القصص تذكّرنا بأن وراء الظواهر حكمًا غيبية لا يدركها العقل السريع ولا البصر العاجل.
تتزاحم الاستفهامات: أين يقع ملتقى البحرين؟
المفسرون القدامى تركوا الباب مفتوحًا بين أقوال متعدّدة، لكن بعض القراءات الحديثة حاولت ربطه جغرافيًا. الداعية عمرو خالد أشار إلى مقرن النيلين بالخرطوم وجزيرة توتي، بينما ذهب البروفيسور عبد الله الطيب إلى أن جبل الطور في منطقة القضارف هو مكان لقاء موسى بالخضر. غير أن جمهور المفسرين لم يحسموا المكان، ليبقى النقاش رمزيًا أكثر منه جغرافيًا.
رحلة موسى مع الخضر.. الحكم الخفية
ثقب السفينة: موسى رأى في هذا الفعل عدوانًا على مساكين يعملون في البحر، فأسرع بالاعتراض. لكن الخضر كشف لاحقًا أن وراءه إنقاذًا للسفينة من اغتصاب ملكٍ جائر. الحكمة هنا أن بعض الشرور الظاهرة تحمل في جوفها رحمة خفية، وأن التضحية بجزء قد تحفظ الكل.
قتل الغلام: بدا الفعل في عين موسى جريمة شنيعة بلا مبرر. لكن الخضر أوضح أن الغلام كان سيُرهق والديه بالكفر والعصيان، فكان موته رحمةً لهما واستبدالًا بخيرٍ منه. المغزى أن الحياة ليست معيارًا مطلقًا إذا اقترنت بالضلال، وأن الموت قد يحمل في طيّاته نجاة أكبر مما نتصوّر.
بناء الجدار: موسى تعجّب من أن يُقام جدار في قرية لئيمة بلا مقابل. لكن الخضر كشف أن تحت الجدار كنزًا لغلامين يتيمين، وأن حفظ الكنز كان امتدادًا لرعاية ربانية لآبائهما الصالحين. الدرس أن البركة قد تمتد عبر الأجيال، وأن صلاح الآباء يحمي الأبناء بغير علمهم.
المعادلة المعقدة
الأحداث الثلاثة تضعنا أمام معادلة دقيقة: الشريعة التي يحملها موسى تُطالب بالعدل الفوري، أما الحكمة اللدنية التي أوتيها الخضر فتقرأ الغيب وتحتمل المفارقة. ليس في ذلك انتقاص من مقام النبي، بل توسيع لمفهوم العلم. فالوحي والولاية، كالنيلين، يلتقيان ليشكّلا مجرى أوسع من المعرفة.
ختامًا.. تبقى التساؤلات مفتوحة: هل نحن، مثل موسى، أسرى الظاهر العاجل فنستنكر ما لا نفهمه؟ أم نتعلم أن وراء كل حدث حكمة قد لا تنكشف إلا بقدر الله؟
هكذا يصبح “مجمع البحرين” الحقيقي هو التقاء العجز البشري مع فيض العلم الإلهي.
كسرة أخيرة:
هل يا تُرى يكون وراء ويلات هذه الحرب البائسة خيرٌ مرتجى؟ هل؟!
Leave a Reply