
عبد الله رزق
#ملف_الهدف_الثقافي
في وقت انفردت فيه لمبة إديسون وأخواتها بحيازة كل مساحات النور، حافظت الشموع التي ظلت منذ ذلك الوقت تتخلى عن الكثير من وظائفها في تبديد الوحشة وطرد أشباح العتمة، على كامل رصيدها الرمزي، وحضورها الطقسي، وثرائها المعنوي. وحازت مكانها الأخلاقي المتقدم عبر الثقافات، خاصة كمثال أعلى للإخلاص، للتضحية بالذات حد الفناء لأجل الغير. وتُقدّم الشمعة في قصة للكاتبة فاطمة السنوسي، كما في أغنية للفنان عبد الكريم الكابلي، نموذجًا مدرسيًا للإلهام.
ما هو جوهري في العملين الإبداعيين كون الشمعة عند كابلي، كما هي عند فاطمة السنوسي، لا تحيا إلا في الاحتراق. ففي الاحتراق، لا سواه، تنتزع هويتها، وتكون ديناميكيتها. فالشمعة المحترقة ضحكة مبيتة في الأعماق، عند فاطمة السنوسي، وتراجيديا عند الكابلي.
ففي قصتها القصيرة جدًا “قلب من السماء” تحكي فاطمة السنوسي: “رأيت الشمعات تضحك، حتى سالت دموعها. احتفلنا دون أن نطفئ شمعة، حتى لا نخرس ضحكة من الأعماق”. فالاحتفال هو الاحتراق، وهو الضحك حد مسيل الدموع.
والاحتفال نفسه هو ما يلمح له الكابلي عند مجتمع العيون في أغنيته “شمعة“:
“كم دمعة سالت فوق خدود الشمعة
ضوت للعيون الفي السهر مجتمعة”
وقد اعتُبرت الأغنية، لدى ظهورها الأول على نطاق واسع، أغنية رمزية، مما أفسح لها المجال أمام شتى التأويلات.
على خلاف فاطمة السنوسي، فإن الشمعة المحترقة عند الكابلي هي فناء مؤجل، زوال مُجمَّد في بياض الثلج، دموع قيد التسكاب والانهمار، زوال في حالة كمون مؤقت.. إلخ.
فالاشتعال مشوار حياة الشمعة ومآلها التراجيدي الذي هو كينونة الشمعة في نظر الكابلي، هو رقصة اللهب وذوبان الدموع حد التلاشي:
مشوار وانكتب لي خيالا يرقص
يحكي حالو وحالها
دمعو وسر حقيقتو الشالها
عارف في رقيصها زوالها
Leave a Reply