الكوناما.. ذاكرة البازا وحكاية الجذور في إريتريا

صحيفة الهدف

محمد إسماعيل أنقا
#ملف_الهدف_الثقافي
(الكوناما): قومية عريقة من مكونات الشعب الإريتري، تقطن الإقليم الغربي من إريتريا في الوقت الحالي، القاش – بركة.
التسمية :يطلق عليها محليًا الاسم )بازا – أو – بازين( كما عُرفت به في الكتابات والمراجع العربية القديمة والمصادر الأوروبية الكلاسيكية، والاسم الرسمي لها هو (كوناما). أما أهلنا جيرانهم (النرا) فيسمون الكوناما باسم (ديلا) والذي يعني: صنوة العروس، أو زميلتها ووزيرتها، شقيقة الروح، وربما هي من (دولا) إحدى فروع قبيلة الكوناما المهمة والتي لها مكانة كبيرة في أوساطهم، بوصفها من منظومة )السنقنيني): الجودية والحكماء.
يقول الشاعر الشعبي السوداني المشهور بـ(ولد أبو دليق):
جبل الهايعة البقيت ليها ركازه
من غرب دار صليح
إلى شرق بلود (البازا).
كما قال الحاردلو الكبير، ذاكرًا (البازا) في وصفه للرحل من إبل البطانة القاصدة لأرض الكوناما والحبشة: قطعوا الأتبراوي منوين (البازا).
وقال أحد الشعراء الصعاليك من الهمباتة، وقد لحق بهم (البازا) أصحاب الإبل المسروقة في فزعة جماعية كثيرة: درق البازا جاك زي الصحابة الكاره.
وقد ذكرهم ابن حوقل في (صورة الأرض) عند وصفه دلتا القاش وحوض الدجن. وذكرهم ابن سليم الأسواني في (أخبار النوبة والمقرة وعلوة والبجة والنيل) ووضع البازا على نهر عطبرة. أما ابن عبد الظاهر في (كتاب التشريف) فقد تحدث عن (بازا) ضمن المناطق التي وصلها مبعوث السلطان قلاوون، في العام (1280 – 1290م). كما ذكر اليعقوبي في (تاريخ ابن واضح) ضمن ممالك البجة الست المعروفة مملكة (بازين).
وتطرق إليهم بالدراسة بعض الكُتاب أمثال: ترمنغهام، وبوليرا، وغيرهم من الأوروبيين. وهي قبيلة معروفة لها شهرتها ولم تكن من الأقليات المغمورة كما يُراد لها أن تكون.
ويقال إن الكوناما كانت في العصور القديمة تتواجد في (إقليم عنسبا)، تجاور قبيلة البلين، وأن أراضيها كانت تحايد أراضيهم. وهناك بعض القرائن التاريخية واللغوية التي تثبت التداخل بينهما. فوفقًا لرواية السكان المحليين، فإن الاسم (بادين نوخ) والذي يعني بلغة البلين: (قرية بازين)، وهم الكوناما، وهي بلدة تقع على يمين الطريق المؤدي إلى (مدينة كرن) صعودًا إلى عقبة (طنقلحس) جنوب الكبري. ويقولون إن (البازين – الكوناما) كانت تسكنها في السابق، والتي يقطنها الآن (البلين – السنحيت)، وتقابلها في الاتجاه الشرقي قرية (إنكا ماتري) على طريق السكة حديد. مع ملاحظة وجود التسمية (طنقلحس) في أرض (النرا – مقريب) بالقاش بركة، ما يدل على أن هذه الأسماء قد جاءت بها (القبشا): وهي عشيرة من النرا مقريب لها أصول في (البلين).
التركيب الاجتماعي: يقوم التركيب الاجتماعي عند الكوناما على أساس قسمة القبيلة إلى ست عشائر تعرف باسم (مولاتا)، وهي: كروه، سوغانا، دولا، ناتاكا، سروما، أرقاتاكرا. وذلك كما جاء عند نايدل في (التركيب السكاني في إريتريا.. العناصر والقبائل)، ص 34. لكن هناك نوعًا من التقسيم الطوطمي الداخلي ورموز خاصة تميز المجموعات الرئيسية في القبيلة. تتفرع وفقها الكوناما إلى أربعة أصول أساسية، وهي:
(كروه – كارا) رمزها الماء، (شووا) رمزها فرس النهر (القريني)، (سروما – سيما) رمزها النحلة.، و(أبنا -أو – سكونا أو – كوما) رمزها الفيل.
وهذه الأصول هي أساس وجذور القبيلة، وبقية الفروع تقوم عليها. كما يوجد طوطم (التيتل والقمر) وغيرها من الرموز التي تخص بعض العشائر داخل القبيلة نفسها. ومن المعروف أن (كارا، دولا، سروما) هي أسماء لقبائل مشهورة في أماكن متفرقة من أنحاء إفريقيا، ما يوجب التمعن والتدقيق في معرفة تركيب أصول الكوناما.
اللغة: تتحدث الكوناما لغة سودانية نيلية تسمى محليًا (لغة الكوناما). وهي لم تكن مدرجة في قائمة اللغات التي تنتمي إلى أسرة اللغات المعروفة (بالشمال شرق سودانية – النيلو صحراوية) عند علماء اللسانيات، والتي تمت إليها لغة النرا. وتنقسم لغة الكوناما إلى سبع لهجات، حسب البطون التي تتكلمها، أي هي أسماء لأفخاذ وفروع في الوقت نفسه، وهي: لهجة سوسنا، لهجة بركة، لهجة إيماسا، لهجة الإيليت (إيليتا سيدا)، لهجة السكوداس، لهجة تيكا، لهجة بداكوما.
يقول د.كلودي ريلي، العالم الأثري المتخصص في هذا المجال: “إن لغة الكوناما باستثناء وجود بعض المفردات المعدودة المتبادلة، لا تماثل لغة النرا في شيء، والبون بينهما شاسع”.
الأصل والمنشأ: ترجع الكوناما بأصولها إلى الأم الكبرى (كوناما)، كما الشعوب الحبشية التي تعود في أصولها إلى الجدة (ما كودا) أو (سابا). وهو مجتمع أمومي طوطمي. والاسم كوناما يعني العقرب عند بعض الأفارقة، وقد كان العقرب شعارًا ملكيًا في مصر الفرعونية (الملك العقرب) وهو يرمز للمحارب في الثقافة الإفريقية. وتقول الأسطورة: إن الإله (تحوت) قد زود إيزيس زوجة أوزوريس بسبع عقارب لكي تحميها وتدافع عنها أثناء رحلتها إلى الشمال. ومن هنا يفهم ضمنًا أن (كوناما) هي الإلهة الأم إيزيس.
المعتقد: وسط الكوناما الآن، هناك من يعتنق الإسلام ومن يدين بالمسيحية، مع تمسك قطاع كبير منهم بالمعتقدات التقليدية القديمة. وهو عمومًا مجتمع يمتاز بالانضباط الاجتماعي والتقيد باحترام الأعراف. واسم الجلالة عندهم هو (أنا) الله، الخالق، الرب. وهم لا يشركون مع الله أحدًا. وربما كان مصدر العقيدة التوحيدية لديهم هو اتصالهم بمصر القديمة، وتأثرهم بتعاليم التوراة والديانة اليهودية، نتيجة لاحتكاكهم المباشر بالعبرانيين ، (كارا = الرجال البرونز) أو فيما بعد بالإثيوبيين، والله أعلم. لكن من المؤكد أنهم كانوا على صلة بالشعوب القديمة في وادي النيل (مصر، السودان)، ما يجعل التأثير واردًا ومحتملًا.
(أنا – كبولا): هو إيقاع الكوناما، والذي يعني “التوقيع الإلهي”. كما يطلقون على “إيقاع النرا” أو الطبل الخاص بهم اسم (مردا – كبولا): كبور النرا. وهم يقولون بأقدمية “النرا” وأسبقيتها التاريخية في المنطقة كلها، ويلتزمون بذلك في بعض المراسيم والطقوس (في الزمن الذي كان يحترم فيه الناس بعضهم ويقدسون الروابط والعلائق)، بأن تكون افتتاحية المناسبة السعيدة مثلاً بـ (كابور – النرا).
تنويه هام جدًا: على الرغم من أصالة وعراقة (النرا) و(الكوناما)، لم تُسجَّل واحدة منهما حتى الآن في قائمة الشعوب الأصيلة المعروفة حول العالم، والتي يبلغ عددها (13) مجموعة إثنية، منها: النوبة، الماساي، الأبيورجنيز، الطوارق… إلخ.
فأهيب بشباب (شعب النرا) وشباب (شعب الكوناما) بالخارج، خاصة في أوروبا، أن يسعوا إلى إيصال صوتهم بتسجيل (النرا والكوناما) في برنامج (صون التراث الثقافي غير المادي) لدى منظمة الأمم المتحدة. فهناك فوائد وتوابع كثيرة وراء ذلك ستعم بخيراتها الشعب الإريتري، حيث تكتسب إريتريا نتيجة لذلك اعترافًا بعراقة شعوبها، وتتحول إلى مصدر اهتمام عالمي، وتكون وجهة لعلماء التاريخ والآثار وعلم الأجناس واللسانيات وغيرها.
* كاتب وشاعر وتشكيلي من إرتيريا

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.