
بقلم: عبد الله رزق
اعطت أم درمان، يوم أمس، الأربعاء ٩ ديسمبر، لمستها الأخيرة، بصمتها المباركة للثورة، وهي تختتم اسبوعها الثالث، كثورة سودانية متفردة السمات، والتي تظل تعبر بها عن نفسها، بالكيفية ذاتها والعنفوان، من مكان إلى مكان ومن زمن سوداني إلى آخر… كثورة موغلة في المعاصرة وهي تزاوج بين فعل الإعلام البديل والنقابات الموازية-البديلة وتجلى الإرادة الشعبية الحرية وقوتها وتصميمها. حيث تتجلى سلمية الثورة، ويتجسد الوعي والتنظيم، وتأتلق الجسارة والصمود والفدائية والتضحية في مواجهة عنف النظام… وتكشف الثورة وجهها الإنساني مقابل وحشية توحش الإستبداد السياسي-الديني وخوائه الأخلاقي. وتؤسس أم درمان، وهي تصقل خبرة وتجربة الأسابيع الثلاثة الماضية (الأربعة منذ بدء الاحتجاجات الثورية في الدمازين في ١٣ ديسمبر)، وتمتحنها في منازلة تاريخية، امتحنت معها أرض المعركة النهائية، لم يجد خلالها النظام غير العودة للعنف والقمع الوحشي، ليفتح الباب من جديد أمام مزيد من الشهداء. فبعد توقف لعدة أيام، عاد النظام لاستخدام الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين، والتي يبدو أنها المحاولة الأخيرة لاحتواء حركة الإحتجاجات السلمية، والتي مثلت تظاهرات أم درمان تتويجا لسلسلة من متتالية من الإحتجاجات، التي اتسمت بالقوة والتحدي، في كل من الخرطوم ومدني وعطبرة وبورتسودان والقضارف، خلال أيام الثلاثاء والإثنين والأحد، على التوالي، وهي نقلة في مستوى المواجهة، لها مغزاها، في المعركة النهائية، الحاسمة، إعلان الإضراب السياسي والعصيان المدني، من قلب العاصمة، وفي سياق الإنتفاضة الشعبية. ففي أم درمان أظهرت الجماهير كامل قدراتها، وقوة احتجاجها السلمي، مثلما أظهر النظام كامل قوته وعنفه المميت، في أقصى تجلياته، حيث حصد الرصاص، أرواح ثلاثة شبان على الأقل بجانب إصابة آخرين. غير أنه لايبدو، حتى الآن، أن النظام قد كسب رهانه على الرصاص، وعلى الكتائب التي هدد بها نائب الرئيس الأسبق. فواقعة البقعة لم تكن غير نقطة بداية جديدة، تستند إلى تكريس وتثبيت التقاليد والثقافة الثورية التي انتجتها تجارب الأسابيع الثلاثة الماضية، وأكدت جدواها وفعاليتها، كمنصة إنطلاق للمرحلة الحاسمة، مرحلة إعلان العصيان المدني في الأرض الرئيسية للمعرك.. والذي آن أوانه….