
د.أحمد الليثي
#ملف_الهدف_الثقافي
أحيانًا نتساءل بدهشة: كيف لشخصٍ نعرفه هادئًا، لطيفًا، ومتوازنًا في حياته الواقعية، أن يتحوّل في فضاء التواصل الرقمي إلى حادٍّ، غليظٍ، وعدوانيٍّ في الحوار؟
الجواب يكمن في ما يُسمّى الشخصية الافتراضية.
إنها صورة موازية تولد في العالم الرقمي، تتسم بسمات وسلوكيات قد تكون على النقيض من شخصية الإنسان الحقيقية.
وهي ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل من أخطر التشوّهات النفسية والاجتماعية التي أفرزها العصر الافتراضي.
في هذا الفضاء الخفيف، بلا ثقل ولا قيود، يتنفس الإنسان ما لا يجرؤ على قوله في عالم اللحم والدم.
هناك يُتاح له أن يتحرر من تحديات الواقع ومسؤولياته، أو أن يعوّض عجزه عن تحقيق طموحاته بانتصارات وهمية. فتغريه هذه الشخصية لأنها تمنحه سلطة بلا ثمن، حضورًا بلا جسد، وانتصارات بلا معركة.
لكن الوجه الآخر خطير؛ فحين يعتاد الإنسان أن يعيش في ظلٍّ مصنوع، قد يفقد ملامحه الأصلية شيئًا فشيئًا. ويستيقظ ذات يوم ليجد أن القناع قد التصق بالوجه، وأن صوته الحقيقي صار أضعف من الصدى الرقمي الذي يلاحقه.
هكذا، تتحوّل الشخصية الافتراضية من وسيلة للهروب إلى قيدٍ جديد، ومن وهم الحرية إلى أسرٍ خفيّ، يجعل الإنسان غريبًا عن نفسه، وعن الآخرين من حوله.
Leave a Reply