
الأستاذ شمس الدين أحمد صالح
الري الإنسيابي للحقول والبساتين ومزارع القمح والثوم والمحاصيل الصيفية، والتي لا تخضع لقواعد التنمية المستدامة، والحفاظ على البيئة؛ هو الآخر أحد مسببات التجريف والانزلاقات الأرضية المتتالية، لأن الإنسان هناك يتعامل مع الطبيعة بالفطرة البدائية ولم يتعامل بالقواعد العلمية الحديثة والمعايير التى تزاوج بين المصلحة الآنية للشخص والحفاظ على البيئة والتربة كثروة متجددة وحقوق للأجيال القادمة.
وهذا سببه غياب دور الدولة ومؤسساتها بالمنطقة منذ الاستقلال، إذ لا يوجد إرشاد زراعي وتوعية صحية وبيطرية، ولا رقابة ولا دراسات علمية بشأن الري الانسيابي. فتبديل الري الانسيابي بالري بالطرق الحديثة أصبح ضرورة بيئية، وسلامة وأمن للمواطن، ويرفع كفاءة المياه المستخدمة في الري ويقنن استخداماتها، لأن الري الانسيابي يهدر المياة بالتبخر والتسرب، بالإضافة لتأثيره على الصخور وتذويبها ثم انزلاقها، ولذلك شق وحفر الترع على الجبال، مثال ذلك ترعة شلال عباس، على الرغم من المجهود الجبار والصبور الذي بذله هذا المواطن رحمه الله، تعتبر من الظواهر ذات الأثر السالب على البيئة. والذي قد لا يعرف عباس صاحب المبادرة، إليك قصته؛ هو مواطن من جبال مرة في منطقة كوبا إدارية امو بجنوب شرق الجبل، هذا المواطن استطاع في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، أن يحفر ترعة من الشلال إلى منطقة بعيدة منه لزرع مساحة واسعة تعتبر من أكبر بساتين البرتقال والتفاح في مناطق جبال مرة. استغرق هذا العمل معه قرابة ستة أعوام وهو يربط نفسه بالجبل على الأشجار متدليًا كالشخص النازل بالمظلة من الطائرة وبيده طورية يحفر وينحت الجبل حتى حقق حلمه بشق مجرى الشلال إلى أرض واسعة لرعي وزراعة أشجار الفاكهة حتى سمى الشلال باسمه “شلال عباس”. كان هذا حدثًا كبيرًا، حتى ذات مرة زاره تلفزيون السودان بالمنطقة، وأجرى معه لقاء تحدث فيه عن تجربته، يوجد ذلك فى أرشيف تلفاز السودان. إلا أن الناس لم تهتم بالأثر البيئي لذلك العمل المبدع من شخص لم يقرأ يومًا أي نظرية عن الزراعة أو الري، وكان ببساطة يمكن تبديل تلك الترعة بخط انبوب ناقل حفاظًا على بنية الجبل ومنع الماء من التبخر وزيادة المساحات الزراعية.
نواصل فى الحلقات القادمة جبال مرة المناخ، التضاريس، المناطق السياحية.
Leave a Reply