
فيصل شرير
#ملف_الهدف_الثقافي
مجرد فكرة أخرى، فكرة متشردة تعبر رأسك طولًا وعرضًا، محض فكرة ليس إلا، ومع ذلك تبقى عصية على التجاهل وعصية حتى على النسيان، كأن تستيقظ لا “بيك ولا عليك”. فراشات بلون الفستق ونكهة الطحنية تطارد دون هوادك صباحاتك، تحيلها إلى تحايا بطعم الفستق والطحنية نفسها، تلك المعشوقة التي تنازلت طواعية عن إدمانها مستبدلًا فخامتها بالخواء. الخواء الذي يسكنك ويقيم النقة الآن ولا يقعدها لمجرد أنك لم تعد تتردد على محلات بيعها، مجرد الاقتراب لأمتار قليلة منها، حتى وإن كانت مختبئة خلف فترينات العرض، أصبح محرمًا عليك.
ملامة أثر ملامة، أصبحت مجبرًا على الاستماع إليها بصوت (أناك) الشريرة. تتحول تلك النداءات الحارقة مع الوقت إلى رصاصة حادة تخترق رأسك قسرًا للحد الذي تهتك فيه جمجمتك، وتستحيل أنت إلى شخص جائع، شخص شره لا تعرفه. كل موائد العالم لا تسكت هذا النهم ولا الجوع، وكلما حاولت هضم تلك الفراشات، تأبى إلا أن تتلون بألوان وطعم متعدد، وكلها بشكل الفستق وطعم السمسم النقي الصافي.
وبدلًا من التصالح مع تلك الفكرة، فكرة المقاطعة التي اعترضت عليها كل خلايا جسدك، ومع ذلك تمادت (أناك) العاقلة في تجاهل تلك الآلات الحادة التي ظلت تسحق رأسك، بينما الاعتياد راح يعلن ضجيجه المتواصل مثل مواطني جمهورية أعالي النفق. والخلايا التي سحقها الاعتياد تعلن اعتصامها، ونستحيل مع تلك الاضطرابات إلى مجلس عسكري خائن يبحث عن طريقة آمنة يفض بها تلك الاعتصامات.
وتتوقف الحياة عندك تمامًا، لا شيء يحرك عصب جسدك ينفع أن نجربه من أجل تفادي السقوط الوشيك، جوع أثر جوع، والذي يوقظك أكثر وأنت “مطمبج” بتلك النداءات الشهية أن تستلم دعوة من صديق، يتدثر بدعوة تافهة لتناول إفطار شهي على ظن منه أنه (يتحرش) بذائقتك: “أرح ناكل مقادم”، السابعة بتوقيت الصباح أيها الظالم، وأنت لازلت تحتفظ بهذه الشهية التي تمشي على أربع. أسد أنت أم نمر مفترس؟ السابعة صباحًا أيها المفتري، ترغب في ملء كرشك (بحواشي) حيوانية؟
لما لا؟ يجيبك محندقًا: الليمون والشطة الخضراء، وتديها مع معصوب الهنداوية أو بنت الصحن. أظن أن بنت الصحن ستجعل الفكرة أنضر في رأسك. كأنما الليمون والشطة الخضراء هي المشكلة. لا شيء تفعله مع هذا المفترس غير أن تفر منه، هكذا هم أصدقاء السوء، دائمًا ما يحيلون صباحات متجملة بالطمأنينة إلى فوضى، لتصعب بعدها مقدرتك على السيطرة، حتى وإن بذلت طاقتك كلها وعزيمتك، وعلى تهلهلها ستفشل بعدها تمامًا في السيطرة على مطر الحنين لمعشوقتك الذي يتساقط على هامتك. أي وغد تافه أنت ومقادمك تلك لتحندقني بها أيها الشرير المرابي!
نكاية في ذائقته الحيوانية، تلك سوف تلوذ بصمودك الهش وتتحصن بعزيمتك، واللجوء إلى كهف المقاطعة الكلية للأطعمة الجاهزة، بما فيها الحلويات، انتصارًا لجسدك الذي بدأ في الانهيار. ومع ذلك لم تستطع أن تتجرأ وتضيف الطحنية إلى قائمة المحظورات، والمقاطعة تخشى حتى أن تعترف أمام نفسك بأنها عصية حتى على النسيان. ستجلس وحيدًا مكتئبًا، وجها لوجه أمام سيرتها، تردد في صبحك ومساءك أغنيتها الحبيبة لنفسك، مجرد شخص مثير للشفقة أجبرته الحياة على مقاطعة أجمل ما ملأ حياته بالبهجة.
Leave a Reply