زليخة.. حين ينكشف قميص الحقيقة

صحيفة الهدف

عبد المنعم أحمد
#ملف_الهدف_الثقافي
منذ أن ألقى إخوة يوسف أخاهم في الجب، تبدأ القصة وكأنها مسرحية طويلة مكتوبة بعناية: إخوة غيورون، قافلة تبحث عن صفقة، وسوق يبيع الأحلام مع الرقيق. ثم المشهد الكبير: يوسف في قصر عزيز مصر. وهنا يدخل عنصر الإثارة: امرأة ذات سلطة وجاه تقرر أن الفتى الغريب ليس مجرد خادم، بل مشروع عشق محرّم.
المفارقة أن القصة لم تُروَ بلسان امرأة عادية، بل “امرأة العزيز”، أي سيدة البلاط. تخيّلوا لو أن صحافة القصر كانت موجودة آنذاك، لامتلأت العناوين”: فضيحة أخلاقية تهز أروقة الحكم: سيدة الدولة تُغوي خادمًا لقيطًا”، وبالخط الصغير في الصفحة الأخيرة: “الخادم بريء.. لكن السجن بانتظاره”.
أما القميص، فليس مجرد قماش مشدود هنا أو ممزق هناك، بل هو وثيقة اتهام أقوى من أي محكمة. المجتمع كله انشغل بالقميص، نسي العدل والحق، وقرر أن الحل الأنسب: السجن. هكذا تتحول العدالة إلى “مكوى” سياسي يكوي القمصان بدل أن يحكم بالحق.
ثم تأتي وليمة “كشف المستور”، حيث جمعت زليخة نسوة المدينة لتقول لهن: “توقفن عن النفاق.. لكن جرّبن”. فجاء يوسف، ولم يحتج حتى أن ينطق بكلمة؛ وقف فقط، فانطلقت السكاكين في الأيدي، وتحوّلت أطباق الفاكهة إلى مسارح للدم. كان المشهد أقرب إلى درس عملي في علم النفس: كلما ظهر “الألفه” في القاعة، انهارت “العفّة الاجتماعية” ككرتون مبلول.
إنها كوميديا سوداء: نساء يقطّعن أيديهن ثم يصرخن “حاشا لله”، بينما السجين البريء يواجه الزنزانة. أي مفارقة هذه؟ يوسف كان حُرًا حتى وهو خلف القضبان، وزليخة كانت أسيرة حتى وهي في قلب القصر.
العبرة الساخرة: ليست كل فضيلة سوى غياب فرصة، والحقائق لا تُخفى تحت أكمام الحرير ولا أقنعة العفة الاجتماعية. وحده من استعصم بالله عرف الحرية الحقيقية، أما البقية فقد شغلتهم القمصان والولائم.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.