
سهيلة بورزق
كاتبة جزائرية
#ملف_الهدف_الثقافي
العنصرية هي من أخطر الإشكالات الاجتماعية التي تهدد تماسك الهوية الوطنية وتفتت البنية الداخلية للمجتمع. فهي ليست مجرد ممارسات فردية أو مواقف عابرة، بل هي بنية ذهنية وثقافية تتجذر في الوعي الجمعي، وتنعكس في أنماط التفاعل اليومي، بما يعيد إنتاج التراتبية والتمييز داخل الجماعة الوطنية الواحدة. هذا النوع من العنصرية غالبًا ما يستند إلى معايير متعددة، قد تكون جهوية أو لغوية أو طائفية أو قبلية، حيث يُعاد تعريف “الآخر” ضمن الإطار الوطني الضيق، لا باعتباره شريكًا في المواطنة، بل باعتباره خصمًا أو منافسًا أو كيانًا دونيًا.
من منظور فلسفي اجتماعي، يمكن القول إن العنصرية الداخلية تكشف هشاشة مفهوم المواطنة ذاته، إذ يُفرغ من محتواه بوصفه عقدًا اجتماعيًا قائمًا على المساواة، ويتحول إلى شعور زائف بالانتماء الانتقائي. فهي تُنتج “مواطنة متدرجة” تجعل بعض الأفراد أو الجماعات أكثر “شرعية” في الانتماء من غيرهم. هذه الآلية تُكرّس الإقصاء وتؤدي إلى انقسام رمزي قد يتحول إلى صراع مادي، يعطل إمكانات التنمية ويقوض الاستقرار.
البعد النفسي لهذه الظاهرة لا يقل أهمية، إذ يشعر الأفراد المستهدفون بالعنصرية بالاغتراب داخل وطنهم، مما يعمق لديهم أزمة الهوية والانتماء، ويؤدي إلى ما يسميه علماء الاجتماع بـ”الاغتراب الداخلي”؛ أي أن الإنسان يصبح غريبًا في مجاله الاجتماعي والسياسي، رغم انتمائه الشكلي إليه. في المقابل، يعيش من يمارس العنصرية وهم التفوق، وهو وهم يبرر سلوكه ويغذي دورة مستمرة من العنف الرمزي والمادي.
إن مواجهة العنصرية الداخلية تقتضي معالجة متعددة المستويات: تبدأ من تفكيك الخطابات الثقافية والتاريخية التي تشرعن التمييز، وتمر بإعادة صياغة التربية الوطنية لتغرس قيم المساواة والاعتراف بالآخر المختلف، ولا تنتهي إلا بإقامة نظم قانونية صارمة تجرم وتحد من الممارسات العنصرية. فالمسألة ليست قضية أخلاقية فقط، بل هي ضرورة وجودية لحفظ وحدة الجماعة الوطنية، وضمان قدرتها على التعايش والإنتاج والنهضة.
Leave a Reply