
✍🏽 خالد ضياء الدين
خرجن من بيوتهن إلى المجهول، تركن خلفهن في كل ركن بصمة وذكرى، ودعن ماضيهن وكل لحظة سعادة، هناك تركت إحداهن عطرها المحبب وشاشة كانت تتابع فيها مسلسلها المفضل، وفي خزانتها كانت تخبئ بحرص فستانًا أحمر لبسته في جرتقها يوم زفافها وبعض أشياء تعزها، كانت تعتقد أنها من أخص خصوصياتها، بكت عندما شاهدتها في الصور مرمية على الأرض داستها أقدام احتقرت كل ذكرياتها وداست عليها ثم رمتها ليصيبها المطر وحرّ الشمس، لم تعد تحمل تلك الرائحة المحببة ولا الملمس الرقيق ولم يعد بالإمكان النظر إليها إلا للحسرة.
نزحن إلى مناطق لم يألفن عيشتها، في ظروف أقل ما يقال إنها قاسية، حيث أصبح السكن مشكلة والطعام بشق الأنفس، وما كان في متناول اليد بات شبه مستحيل الحصول عليه.
انحني لمن دعمن أزواجهن في هذه الظروف الاستثنائية التي فقد فيها الرجال العمل وتقطعت بهم السبل وأقعد بعضهم العجز.
نساء لم يتعودن على العمل، كن ربات منازل، الآن يعملن في المصانع، أو ينتجن ويبعن، صنعن الزبادي والحلوى والطعمية والكيك ليبعنه في المحلات، رأيت بعضهن يجمعن الأخشاب والأغصان الجافة من الشوارع لاستخدامها في طهي الطعام حيث لا غاز ولا فحم، يدبّرن من العدم وجبة، ومن “ما فيش” كوب شاي، بصبرهن تماسكت البيوت في وقت عصيب انهارت فيه قيم البعض في امتحان الحياة التي لا ترحم.
وجبتين أو واحدة في كثير من المرات، لم تتأفف ولم تندب حظها، تحزمت بالقناعة وذهبت تبحث في التكايا عن بليلة لتباشر بها أسرتها (تكسي في الماشين عرايا وفوقا ينقطع هديما).
بالرغم من المعاناة حرصن على مواصلة الأبناء الدراسة، يضحكن في وجوههم نهارًا ويبكين أنفسهن عندما يجنّ الليل، يبكين التعب وقلة الحيلة، لم يندمن أو تحدثهن أنفسهن بالانسحاب أمام غول الحاجة والمسغبة.
لله درهن الصابرات المثابرات، من كنّ عماد البيوت ومصابيحها في عتمة الزمن العنيد، الواهبات تعبهن لراحة أسرهن.
لقد سطرن مجد المرأة السودانية القوية الأمينة، السند والكتف الأمين الذي لا يميل، زوجات وأخوات وبنات، حافظن على العهد وزدن فيه فوق طاقتهن.
عشن في غرفة واحدة أو في خيمة، نزحن مشيًا على الأقدام أو على الدواب أو تكدسن في سيارة قطعت بهم الصحراء.
في بيوت أو تحت شجرة، سترن أنفسهن بملاية تحجب رؤية الغريب، حافظن على أنفسهن ولم يتغيرن، في الغربة حيث لا صديقة ولا جارة مألوفة عشن يكدحن، تبدلت حياتهن تمامًا ولم يتبدلن، العفيفات الشريفات.
للبنات الصابرات، من ودعن لبسة الصباح ودفاتر الجامعة، ملابس الثانوي ومصروف اليوم، الآن يجتهدن في المصانع لدعم الأسرة، ينظرن لحال الأب فلا يطلبن بل صرن يساهمن تخفيفًا عليه، كم من فتاة الآن برضاها اختارت أن تكون ركيزة البيت.
لقد عجنت الحرب عودهن فصرن سيدات ناضجات مدبرات، نجحن وتفوقن وهزمن المستحيل.
نحترمكن ونجلّكن وننحني أمام مواقفكن ووقفتكن.
لقد أثبتت التجربة أن المرأة السودانية لا تساويها في الصمود وتحدي الظروف القاسية إلا المرأة الفلسطينية، إنها عملة نادرة وأيقونة صمود وتاج عز وفخار للرجل السوداني.
تزوج سودانية، وأعطِ كل ما تملك من ثقة لزوجتك السودانية، لأنها ستحافظ عليك، وعندما تحتاج لن تجد حولك إلا المرأة السودانية: أم، زوجة، أخت، بنت… إلخ.
لهن التقدير والاحترام.
Leave a Reply