
عبد الغني كرم الله
#ملف_الهدف_الثقافي
كان الناسك الهندي بوذا يشجع تلاميذه على دقة الفكر، والبحث عن أصل المعضلة، وليس تداعياتها حين أمر تلاميذه بالاصطفاف حلقة حول فم زير كبير ملئ بالماء، إلا أن هناك فقاقيع تظهر على سطح الماء، كثيرة، مثل عيون السمك، فسألهم محاربتها كلها، حتى يجلو ويصفو سطح الماء.
حاولوا كلهم فقع الفقاقيع، واختلفت سرعتهم حسب مهارة كل منهم، ولكن ظلت الفقاقيع تظهر رغم ذلك. حتى أتى آخر تلاميذه، نظر للماء والفقاقيع جيدًا، عرف موقعها، أدخل يده داخل قعر الزير، وأخرجها وبيده (فخارة، طوبة) هي مصدر هذه الفقاقيع لا أكثر، مضى للسبب الأصلي وليس للنتائج، واجتثه من أصله، وسكن سطح الماء البارد.
إذن نحن أمام فقاقيع الحرب وتداعياتها، نحاول إطفاء نارها على السطح، ونسينا القعر (الطفولة وأساليب التربية وبيئة الوعي والتنمية والتكوين الأول، والظلم وغياب المساواة، وتفشي الغل والكراهية)، أصبحنا نحارب سطح المشكلة، وجذرها يفرخ ويثمر القبح عبر التاريخ.. عشرات (الحركات المسلحة)، فقاقيع على زير الوطن.
لذا حروبنا طالت، عقود نحارب، عقود نلمس المظهر، وندير الراس عن الجوهر (فقاقيع الفقر، الجهل، المرض، العنصرية، والتهميش)، فهيهات أن يهدأ السطح والقعر معتكر، أيستقيم الظل وعود الدواخل أعوج؟ لا، ثم لا.
لذا صرخ معاوية نور قبل (قرن) تقريبًا عن ذات المشاكل والحروب الأهلية، وكررها: (السلام لا يتأتى بنزع السلاح، إنما بنزع الصغائن من النفوس)، فهي علة الحرب، هي الأيدي الحقيقة التي تحمل السلاح (الضغائن)..
الأيدي لا تتحرك وحدها، يحركها القلب وموروثه، موهبة كانت أو حقد، كي ترسم أو تضغط الزناد، كل إناء بما فيه ينضح.
عوامل كثر، لكنها خفية، تحتاج تدبرًا و”أشعة إكس” كي ترى بوضوح، وتحدد وتنزع بعزم، وإلا (عينا للفيل ونحارب ظله)، لكن (ربما نحتاج شجاعة فكرية)، لأننا في زمن تكفير التفكير. ولسان حالنا كالجنيد، حين عرف حقيقة الصدق (أن تصدق في مواطن لا ينجيك منها إلا الكذب)، لذا يكذب الناس، ثمن الصدق الموت.
لذا أصبحنا نخاف التجديد، (رغم إنو الثبات وهم، والحياة والأفكار والطبيعة لا تكف عن الحركة في كل وقت)، تقاد حياتنا برسن الماضي، حتى أنشدت عقد الجلاد “دنيا تتغير، ودنيا أدمنت عشق الثوابت”، خوف التغير والركون للجمود، فصدأت الروح والأعراف والمناهج، بل والحياة..
دحين سيبوا لعب الجهال ده، وواجهوا الحرب، أم المشاكل، لو كنت تعلم أن هناك حربًا في البلاد، وإلا كيف يعنيك حال رعية ولا يمسك ما يمسهم.
Leave a Reply