قرأت لكم: أقصى درجات العزلة

صحيفة الهدف

طاهر بن جلون
#ملف_الهدف_الثقافي
ينسج المؤلف مادته من شهادات مباشرة، ومشاهدات ميدانية في مراكز الإيواء وأماكن العمل، وتأملات نفس اجتماعية في الجسد واللغة والذاكرة. يبيّن كيف تُصيب الهشاشةُ لغةَ المهاجر قبل جسده: لغةٌ متعثّرة بين دارجةٍ وأمازيغيةٍ وعربيةٍ وفرنسيةٍ ناقصة؛ وحين تتصدّع اللغة تتصدّع السيرة والهوية ويغدو الجسد موضوعًا للمراقبة لا للانتماء. كما يكشف الكتاب دينامياتٍ دقيقة للمعاناة: القلق المزمن، الانسحاب الاجتماعي، الإدمان بوصفه آليةَ تخدير، وتحوّل الحنين إلى اقتصاد للمشاعر يَرهن الحاضر بماضٍ مثاليّ. هذه التحليلات لا تبرّئ الفرد من مسؤوليته، لكنها تعيد تموضع المشكلة في سياقها البنيوي حيث تُصنع العزلة وتُعاد إنتاجها عبر القوانين والسوق والتمثيلات الإعلامية.


يُفكّك بن جلون الخطاب الفرنسي الرسمي حول «الاندماج»، مظهرًا مفارقته: يُطلب من المهاجر أن يكون مرئيًّا في العمل وغير مرئيّ في الفضاء العام، حاضرًا في دورة الإنتاج وغائبًا عن الاعتراف الرمزي. ومن خلال كتابةٍ تميل إلى الشاعرية من دون أن تفقد صرامتها، يمنح المؤلفُ صوتًا لمن حُرموا الكلام، فيحوّل الحكايات الفردية إلى أرشيف أخلاقي يحمّل المجتمع مسؤولية تفكيك شروط التعاسة لا تجريم ضحاياها. لذلك، لا يقترح الكتاب «وصفات سريعة»، بل يدعو إلى سياسة اعترافٍ تتأسس على سك٩نٍ لائق، ولمّ شملٍ عائلي، وحماية قانونية من التمييز، وتعليمٍ ولغويّ يتيح إعادة بناء الذات في فضاء جديد

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.