
أ. محمد شريف
#ملف_الهدف_الاقتصادي
يُعد تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي خسارة استراتيجية عميقة تتجاوز مجرد الغياب عن الأحداث الفنية، وتؤثر على موقع البلاد ومستقبلها في القارة. إن غياب السودان عن الاجتماعات المهمة مثل اجتماع شبكة السكك الحديدية المتكاملة الأفريقية (AIRN) وقمة تمويل لتطوير البنية التحتية في إفريقيا مع (Auda-Nepad) في لواندا، أنغولا، المقررة في الفترة من (28 إلى 31 أكتوبر 2025)، له دلالات خطيرة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
- خسائر مباشرة: إن غياب السودان عن هذه الاجتماعات يؤدي إلى خسائر مباشرة متعددة الأبعاد:
أ. فقدان فرصة التأثير: مع تاريخه الطويل في مجال السكك الحديدية منذ عام 1897، كان بإمكان السودان أن يطرح رؤى متقدمة لربط البحر الأحمر بوسط وغرب أفريقيا، خاصة عبر مدينتي بورتسودان ونيالا. لكن غيابه حرمه من فرصة التأثير في رسم السياسات القارية.
ب. الحرمان من التمويل الإقليمي: تُستخدم هذه الاجتماعات لتنسيق التمويل من مؤسسات دولية مثل بنك التنمية الأفريقي والصناديق الخليجية. وبسبب تجميد عضويته، يُحرم السودان من الحصول على هذا التمويل اللازم لتحديث بنيته التحتية.
ت. تهميش الدور الجيوسياسي: في ظل التنافس على ممرات التجارة والطاقة، يُضعف غياب السودان موقعه كدولة عبور محورية بين البحر الأحمر، والقرن الأفريقي، ومنطقة الساحل.
- خسائر رمزية واستراتيجية: الخسائر لا تقتصر على الجانب الاقتصادي المباشر، بل تمتد لتشمل الجانب الرمزي والاستراتيجي:
أ. إضعاف الرمزية التاريخية: كان السودان من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية، وغيابه عن الاجتماعات الاستراتيجية يُضعف رمزيته التاريخية كلاعب رئيسي في القارة.
ب. تآكل الشرعية الإقليمية: التجميد يُفقد السودان القدرة على المشاركة في صياغة المعايير القارية، ويجعله موضوعًا للنقاش بدلًا من طرف فاعل فيه.
ت. إضعاف فرص المصالحة: كان من الممكن استخدام المشاركة في المشاريع التنموية القارية كأداة لبناء توافق داخلي، عبر ربط التنمية بالسلام، وهي فرصة ضائعة الآن.
- الفرص الضائعة: لقد أهدر السودان فرصًا هائلة كان يمكن أن تعزز من دوره الإقليمي والدولي:
أ. الربط السككي: ضيّع السودان فرصة تاريخية بطرح مشروع ضخم يربط البحر الأحمر بالمحيط الأطلسي عبر خط سككي يمتد من بورتسودان شرقًا إلى نيامي وداكار غربًا. هذا المشروع كان سيجعل السودان نقطة وصل حيوية للقارة الأفريقية ومركزًا تجاريًا ولوجستيًا محوريًا. وبغياب السودان سيقوي الخيار الآخر بربط ميناء جيبوتي بدلًا من بورتسودان.
ب. التمويل والدبلوماسية: لم يتمكن السودان من تأمين الدعم الفني والمالي لتحديث خطوط سكك حديد حيوية مثل عطبرة – الخرطوم – كوستي – نيالا – أدري. كما أهمل بناء تحالفات استراتيجية مع دول مثل ناميبيا، زامبيا، والسنغال، التي كان من الممكن أن تُسهم في تنسيق الممرات اللوجستية وتأسيس شراكات تجارية قوية.
ت. الرمزية التاريخية: إهدار هذه الفرص امتد ليطال الرمزية التاريخية لدور السودان كـ”مفكر ومبادر” في مشاريع الوحدة والتكامل الأفريقي، وهو الدور الذي كان يحتله تاريخيًا كقائد فكري وحضاري في المنطقة.
- رؤية مستقبلية: تكمن أهمية هذه المشاريع في قدرتها على خلق محور اقتصادي جديد يعيد تشكيل خريطة التجارة الأفريقية. فإذا تم تنفيذ الربط السككي بشكل متكامل، فقد يتحول إلى شريان تنموي يربط خليج والفيس في ناميبيا بحزام النحاس في زامبيا والكونغو، وصولًا إلى موانئ شرق أفريقيا. كما يربط الإسكندرية على البحر الأبيض المتوسط بمدينة الكاب بجنوب أفريقيا وبورتسودان على البحر الأحمر بداكار على المحيط الأطلسي.
- لمواجهة هذه الخسائر، يمكن للسودان أن يتخذ عدة خطوات:
أ. إعداد ورقة سياسات غير رسمية: يمكن تقديمها عبر دول صديقة مثل مصر أو إثيوبيا، تتضمن رؤية السودان للربط السككي القاري.
ب. تفعيل الدبلوماسية الفنية: يمكن لخبراء السكك الحديدية السودانيين المشاركة بشكل غير رسمي في صياغة المشاريع ضمن المنظمات الإقليمية.
ت. الضغط لرفع التجميد المشروط: هناك تحركات دبلوماسية لرفع التجميد جزئيًا، مما قد يتيح للسودان العودة التدريجية للمشاركة.
ختامًا، إن غياب السودان عن هذه الاجتماعات التنموية يعكس حالة العزلة التي يعيشها، ويُفقده دوره المحوري في تشكيل مستقبل القارة، مما يتطلب تحركًا عاجلًا لاستعادة هذا الدور.
Leave a Reply