نظره فى التراث : صدام حسين

(1)
نص حديث الرفيق المناضل
القائد الشهيد الحي صدام حسين
في اجتماع مكتب الاعلام بتاريخ
11/8/ 1977 م.
نظرة في الدين والتراث

.عندما نتحدث عن الدين والتراث باعتزاز ….. يجب ان نفهم ان فلسفتنا ليست التراث ولا الدين بحد ذاتيهما .
ان فلسفتنا هي :-
ما تعبر عنها منطلقاتنا الفكرية وسياستنا المتصلة بها ، وان من الامور المركزية في مجتمعنا والمؤثرة في خلقنا وتراثنا وتقاليدنا هو الماضي …. بكل ما يحمل من عوامل الحياة وتقاليدها وقوانينها ، وكذلك الدين ….
ولكن عقيدتنا ليست حصيلة جمع كل ما يحمله الماضي والدين .
وانما هي نظرة شمولية متطورة للحياة وحل شمولي لاختناقاتها وعقدها لدفعها الى امام على طريق التطور الثوري .
وعندما وجدت عقيدتنا ….. جرت صياغتها بالشكل الذي تكون فيه مترشحة عن واقع أمتنا ومتقدمة عليه في نفس الوقت
.
وعندما يشكل التراث والدين رافدين أساسيين وحيويين في هذا الواقع ، فإن تأثيرهما سيكون حيوياً على عقيدتنا .
وهنا أسأل؟
:
هل كانت الشهامة والصدق والشرف موجودة عند العرب قبل الاسلام أم لا؟
كيف كانت وماذا أصبحت بعد الاسلام وهل هي نفسها قبل الاسلام وبعده ؟

ولا بد أن يكون الجواب :-
ان مقاييس للشهامة وللشرف وللصدق وللتعامل في شتى ميادين الحياة ، كانت موجودة قبل الاسلام فقد تحولت وتغيرت مقاييسها بتغير المجتمع وعقيدته وتغير موضوعاته المتداوله .
.
إذن :
فإن مقاييس الشرف والشهامة وعموم التقاليد والقيم الاجتماعية الاخرى هي مقاييس موضوعية متطوره .
وهي عندما تبدو مطلقة ضمن صيغ التطور في كل مرحلة من المراحل المتعاقبة …. فإنها نسبية في حسابات النظرة الشمولية للحياة في حركتها العامة المجردة … عن خصوصيات المراحل الزمنية والمكانية والحالات المحددة الاخرى .
.
ان الافكار والمنطلقات الاساسية حول هذه الامور … قيلت من قبل حزبنا منذ وقت طويل ، اما الان فاذا ما حصل خلل ما …. فان الخلل يكمن في السياسات وفي عدم قدرتها او قصورها في ان تعكس بشكل صائب المنطلقات الفكرية للحزب … في معالجتها لهذه الامور …. وليس في منطلقات الحزب الفكرية .
.
اؤكد ، مرة ثانية ، مررة ثانية ، تعبيراً عن موقف حزبنا .. وقناعتي الصميمية بهذا الموضوع أيضاً:-
“أن حزبنا ليس حيادياً بين الالحاد وبين الايمان …وانما هو مع الايمان ، دائماً … ولكنه ليس حزباً دينياً ، ولا ينبغي أن يكون كذلك” .

هناك طرق شتى في العمل التكتيكي وتعبيراته …. اما النظرة الاستراتيجية فلها طريق واحد ، فاحيانا يتصرف البعض على اساس يجعل التعتيم والتعميم وفق الحسابات التكتيكية وسيلة من وسائل كسب الاغلبية ، ولكن يبقى التخصيص والوضوح في النظرة والمعالجات الستراتيجية هما الوسيلتان الحاستمان في كسب الاغلبية من الشعب .
ان التعتيم والميوعة والتلون ليس وسيلتنا في كسب الاغلبية ، لاننا لا نريد كسب الاغلبية ضمن حدود زمنية معينة ………….. ولقضايا مؤقتة لتجاوز مأزق مؤقت ، ولا نريد ان نستخدمها تحقيقا لهدف او اهداف آنية او مرحلية … ثم نلفظها ونتنكر لها في مرحلة لاحقة … كما يفعل اليمنيون (اليمين) وبعض فصائل الطبقات المستغلة (بكسر اللام) في علاقاتهم مع الجماهير ، وانما نريد ان تكون الاغلبية من الشعب الى جانبنا في كل الاحوال … وبصورة دائمة على طريق المباديء المعروفة للحزب والثورة في الوقت الذي نسعى فيه لان نقنع ونحول الشعب كله على هذا الطريق .

ان المعالجات الصميمية والجذرية لمشاكل الشعب …. والظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها …… تتطلب الابتعاد والاتجاه الى تخصيص الاهداف والمعالجات والقوى الفاعلة الى جانب الثورة .. في نفس الوقت الذي يتطلب الامر فيه تشخيص اعداء الثورة وتحالفاتهم في كل مرحلة من مراحل النضال ، لذلك فان المطلوب الان التخصيص والوضوح … وذلك لكي “نكسب” كسبا صحيحا وراسخا ونجعل دور حزبنا … دورا قياديا في تحريك وتغيير وقيادة المجتمع

إن من بين الاساليب التكتيكية التي يمكن اعتمادها احيانا، الانتقال الى مواقع الخصم والتداخل معه عندما تكون متفنناً ومقتدراً في اجادة أساليب القتال في الخنادق المتداخلة. ولكن ما تحتاجه في القضايا الاساسية لقيادة الشعب وفي مواجهة اعدائه والانتصار عليهم بصورة دائمة،هو ان تضع العدو في موقع يجعلك متميزاً عنه، وان تكون الساحة مكشوفة بينك وبينه بما يمنع تداخل الخنادق ويحقق المدى المطلوب للاصابة المؤكدة ولتتمكن بندقيتك من تأدية واجباتها بدقة عندما يكون مطلوباً استخدامها وليس استخدام السلاح الابيض او مهارة المصارعة.
اما عندما يكون مطلوباً استخدام الخنجر والحربة والوسائل الاخري للاشتباك.. فعندها يصبح التواصل مطلوباً لكي تستخدم هذه الوسائل والقدرات استخداماً مؤثراً وصحيحاً، في نفس الوقت الذي تحتفظ فيه بالقدر اللازم من التميز النسبي.

فأي الاساليب تطبق على مسألة التعصب الديني والمذهبي في هذه المرحلة؟
هل المطلوب أن نتحول نحن الى مواقع الناس الذين يطرحون المسألة الدينية وطقوسها طرحاً منحرفاً او خاطئاً عن طريق التداخل معهم والالتقاء «المؤقت» مع مفاهيمهم وأساليبهم لكي نؤثر فيهم ونغير من قناعاتهم.. وبالتالي نقودهم على الطريق الصحيح ؟

ام أن المطلوب هو التميز عنهم عن طريق طرح كامل تصوراتنا المبدئية،الصميمة في المنطلقات والاهداف والاساليب؟.

إن التحول الى مواقعهم وخلط المفاهيم او قبول عدم الوضوح يخسرنا المعركة ويهزمنا هزيمة ساحقة ويضعنا أمام ازمة فكرية في نفس الوقت الذي نخسر فيه سياسياً .
وبذلك نخسر من موقعين :-
– نخسر الارضية الفكرية التي نرتكز عليها والتي هي مصدر قوتنا الاساس .
– ونخسر سياستنا كذلك، وبذلك نفقد التماسك الفكري ونفقد التميز ونخسر جمهورنا.

هل نبعد استخدام المسألة الدينية، كوسيلة من وسائل الرجعية والاعداء ضد حزبنا، عن طريق دعوة الحزبيين الى ممارسة الطقوس الدينية وفق ماهو معروف ومتداول …… وبطريقة تجعلنا نستدرج الى مواقع الرجعية الدينية وتفرقها الطائفي ؟
ام أن الاسلوب المركزي والصحيح هو اعطاء موقف واضح للمسألة الدينية في جوانبها العملية والنظرية كافة، وان نترك للشعب من حزبيين وغير حزبيين حرية ممارسة الطقوس الدينية الصميمية وفق اختياراتهم؟.

إن التداخل في الاساليب والممارسات مع الاوساط التي تفهم هذه المسألة فهماً منحرفاً او التي لا تفهمها فهماً صحيحاً لا يحل المشكلة وفي نفس الوقت فان الابتعاد عن الدين، بمعنى الالحاد.. هو نظرة مرفوضة من قبلنا وهي خاسرة في كل الحسابات.

كيف نتصرف اذن؟.

ان بعض القوى المضادة صارت تستخدم الدين لاهداف سياسية، فعليك ان لا تستخدم الدين لأهداف سياسية وان لا تصطدم بهم بشكل مباشر وبأساليب تقليدية.
أن بعض اوساط الرجعية عندما تتصرف تصرفات استفزازية ضد الثورة تحت غطاء الشعائر الدينية فأنها، وبدافع من الاستعمار، تقصد جر الثورة واجهزتها الى التدخل في الشؤون الدينية وفق صيغ واساليب غير متوازنة بما يثير اوساطاً شعبية هي جزء من الحركة العامة للثورة ومصلحتها جزء من مصلحة الثورة.

إن سعي بعض الاوساط المشبوهة في هذا الاتجاه يقصد منه دفع الامور الى الحد الذي يجعل بعض الحزبيين والعاملين في أجهزة الدولة يتصرفون تصرفات غير منضبطة وغير واعية، ….من شأنها أن تأخذ الاغلبية بجريرة الاقلية المنحرفة،…… في الحكم العام او في الاجراءات التفصيلية، قاصدة من ذلك تحقيق هدف عزل الثورة عن جماهيرها ودفعها الى حالة الخنادق المتداخلة.. بحيث يصعب في حينها التمييز بين العدو والصديق ….. فتصيب بندقية الثورة صديقاً او أبناً للثورة في الوقت الذي تقصد فيه اصابة اعدائها من العملاد والمنحرفين.

إن هذه الاوساط الرجعية المنحرفة، والتي يحركها الاجنبي على الاغلب، تدرك أنها غير قادرة على كسب الناس من خلال طرحها لحزب سياسي مضاد لحزب البعث العربي الاشتراكي..

لذلك فانها تتوجه الى جر بعض الاوساط من الناس من خلال دعوتهم الى ممارسة الطقوس الدينية وفق صيغ خاصة، عاملة على تحويل هذا المنهج في وقت لاحق ….. الى ولاءات سياسية مضادة ومناهضة للثورة.

ويبني المحركون لهذا التكتيك خططهم بالدرجة الاساس على افتراض أن يصدر عنا خطأ في التصرف التكتيكي فيسعون لتعميم نتائجه بما يجعل تأثيراته سلبية على ستراتيجيتنا وبما يرجح من حساباتهم في كسب المعركة او على الاقل ان يكون حاجزاً نفسياً بين الحزب وافكاره وبين اوساط معينة من الشعب، مما يعطل او يمنع تواصلها مع افكار الثورة.

اذن، فان المطلوب منا هو أن نكون ضد تسييس الدين من قبل الدولة وفي المجتمع، وضد اقحام الثورة في المسألة الدينية وان نعود الى اصل عقيدتنا، …..وان نعتز بالدين بلا سياسات للدين، لانك حين تجعل من نفسك واعظاً او مرشداً دينياً وتطلب، ومن موقع رسمي او حزبي، من الناس أن يؤدوا الطقوس الدينية، …..انما يتوجب عليك – حينها – ان ترشدهم الى كيفية اداء تلك الطقوس، وما يترتب عليها من التزامات تبعية .
….. واذا ما دخلت في ذلك فسوف تبدأ المشاكل والتعقيدات، حيث تبدأ الاختلافات وفق اجتهاد المذاهب الاسلامية، أفليس هذا دخولاص في السياسة الخاسرة من أخطر أبوابها في الوقت الذي بامكانك أن تربحها عن طريق اخر؟.

ان مما يبعد تأثير بعض الوسائل المضادة عنك هو الابتعاد عن مرمى العدو عندما يكون المطلوب هو التمايز عن عدوك والانفصال عنه في خندق اخر، وأن تكون المساحة بين الاثنين مكشوفة …. لذا فان الدولة اذا ما تبنت سياسة للدين بما يجعلها تتدخل في طقوسه الاعتيادية، منعاً او سماحاً، فاننا سنضع جماهيرنا خارج تأثيراتنا وينقسم جمهورنا وينقسم حزبنا ويرتج البناء الفكري الذي يرتكز عليه حزبنا، وبذلك يربح اعداء الثورة المعركة وتهزم المبادئ وليس سياستنا فحسب. ….