
دروب الحقيقة
احمد مختارالبيت
———————————–
بداية العام الدراسي قراءة في: أحلام الأسر وطموحات الطلاب والتلاميذ ومأساة التعليم.
العام الدراسي على الابواب،كل الأسر واولياء الامور تحت ضغط الابناء والحياة،من جانب،وفي الضفة الاخرى يحدوهم الامل لتحقيق ابنائهم طموحاتهم ودراسة التخصصات التي يرغبون فيهامستقبلا،ولذلك نجد المعاناة مزدوجة،والقلق مضاعف،واليأس سيد الموقف،كل الامهات وكثير من الاباء،واغلب الطلاب والتلاميذ يفضلون المدارس النموذجية،وخاصة التي اشتهرت في وسائل الاعلام المختلفة بتفوق طلابها في امتحانات الشهادة السودانية.او شهادة الأساس كل عام.وتكونت حالة ذهنية كرسها الاعلام الحكومي،واعلانات المدارس الخاصة التجارية التي لا تحتكم الي اي ضابط،فأصابت ذاكرتنا الشعبية والرسمية في مقتل،وسلبت وعي الكثير من الامهات والطلاب والتلاميذ،حتى اصبحن واصبحوا رهائن لتلك الاسماء والاعلانات المفخخةبالالوان والازياء والصور البراقة وهدايا شركات الاتصالات والقنوات الفضائية،رغم ان الحقيقة التي لا يريد ان يعرفها الجميع ان المدارس النموذجية في مرحلةالأساس أو الثانوي، نظام القبول فيها يصفي نخبة النخبة من الطلاب والتلاميذ ويضعهم في مدارس محددة في كل محلية،ثم الذين يلونهم في الدرجات ثم الذين يلونهم، لتبق المدارس الجغرافية.لأدني الدرجات،وبذلك يحرم الالاف من الطلاب والتلاميذ من الأستفادة من زملائهم في الفصول وفي الانشطة اللا صفية.ورغم الحجج الكثيرة التي قيلت في هذه السياسة منذ فترة الاستاذ محمد الشيخ مدني صاحب الفكرة ومنفذها،الا أن الواقع والتجربة العملية،اكدت ان هذه السياسة ادت الي اضرار نفسية ومعنوية بالغة في المجتمع،واحدثت شروخ وجراح من الصعب ان تندمل قريبا،من ابرزها حالة الاحباط واليأس والهروب والتشتت الذهني التي يعيشها الطلاب والتلاميذ والتي انعكست في الضغوط الهائلة على الاسر وأولياء الامور لتحقيق رغباتهم المستحيلة في ظل الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوداني كله.فمن أين للموظفين والفقراء والمساكين..والنازحين في اطراف المدن دفع الملايين في المدارس الخاصة الفخمة ذات المكيفات الباردة،والازياء الزاهية،والاساتذة النخبة؟؟؟ وكيف يقنع أولياء الامور هؤلاء الصغار ( حكامنا في جوفنا) وبعبارة أخري أكبادنا التي تمشي علي الأرض.. ومن أين للأسر العاجزة عن توفير لقمة العيش الحلال ثمن الحلوى والسلوى والكراسات ومصروف اليوم ؟! وفي الاسرة الواحدة بين ( ثلاثة الي خمسة من الأبناء) لهم نفس الرغبات وذات الطموحات وبذات العناد والجهل بواقع الحياة ومتطلباتها اليومية لأب و أم يكدحان من الصباح حتى أواخر الليل لتوفير ما يسد الرمق.دون أن يشعر الابناء والبنات بهذا الحمل الثقيل الذي اثقل الكاهل وهد الحيل وجلب الامراض وارهق النفس.يُخفى وراء الضحكات،أو خلف دموع الامهات….
التعليم في السودان اصبح اليوم طبقيا.. شئنا ام لم نشأ،وسواء قصدالقائمون على الامر ام لم يقصدوا أدت سياسة التعليم الراهنة الى اختلالات مخيفة في الوعي المعرفي،وأنحسار واسع في الاحساس بمعاني الوطن والعدل والمساواة في نفوس السودانيين،ورغم ان الذين تجمعوا في قاعة الصداقة قبل ثلاث سنوات بأسم الحوار الوطني،وادركوا هذه الحقيقة وأوصوا بالغاء سياسيات التمييز هذه الا انهم عجزوا عن انزالها الى ارض الواقع،وانتصرت الرأسمالية الطفيلية في ترسيخ سياساتها وحماية مصالحها الطبقية،وتسخير مؤسسات الدولة لخدمتها،وما زالت تواصل تدميرها المنهجي للمجتمع وقيمه ومثله وبنائه الروحي،وطموحات اجياله القادمة.وحري بكل الأسر واولياء الامور الذين يبحثون الان عن حلول فردية لمشكلات ابنائهم على حساب لقمة العيش،والعلاج أن يعرفوا أن هذه الحلول هي مجرد مسكنات ظرفيه،طالما عجلة الحياة مستمرة وارحام النساء خصبة.فأن الحاجة للتعليم ستستمر ولابد ان يدرك الجميع أن التعليم الالزامي والمجاني هو مسؤولية الدولة ومؤسساتها وبدون ذلك لا يستقيم الحديث عن التنمية والمستقبل،والمعاصرة والوطن ومكانه تحت شمس العصر،وقد افاض د.ابراهيم الامين في سفره القيم ( الى جيل) بما يغني بمقارنات لكثير من دول العالم التي نهضت من تحت الرماد والانقاض،بالتعليم وغدت اليوم منارات يشار اليها بالبنان..
ان المراقب لواقع التعليم اليوم في كل مدن السودان وقراه يدرك حجم الكارثة التي تجتاح الوطن،وتهدد مستقبل اجياله القادمه.ودون الدخول في تفاصيل المعاناة الحياتية ومطالب الطلاب والتلاميذ من الزي والكتب والكراسات والحقائب المدرسية ومصروفات الفطور وغيرها..والاسعار العالية التي توردها وسائل الاعلام لتلك المطلوبات،دون الدخول في تلك الهموم رغم اهميتها فأنهالاتشكل الاجزء من الواقع الذي ينتظرنا في مقبل الايام..حيث تتزايد المدارس الخاصة بذات المتوالية التي نسمع بها عن تجفيف المدارس سواء في العاصمة أو الولايات واخر حدث لتأكيد ذلك ما حدث في ولاية الجزيرة.وهناك العشرات من المدارس التي جففت في ولاية الخرطوم،دون ان يصل خبرها الى اجهزة الاعلام،وتزيد المدارس الخاصةدون تفسر الجهات المختصة هذه السياسة،واخشى ان نبلغ يوما تتخلى فيه الدولة عن التعليم كليا وتترك امره الي القطاع الخاص والتجار ولا أقول الطفيليين،خاصة ان الكثير من المدارس الخاصة تتبع بصورة مباشرة أو غير مباشرة الي قيادات المؤتمر الوطني أو اقربائهم،او كوادرهم في حقل التعليم اوغير التعليم لذلك دعموا سياسة خصخصة التعليم التي اصبحت مجال حيوي لاستثماراتهم الخاصة..
وفي الضفة الاخرى لم يعد للمعلم رأي فيما يجري حوله،فقد سلبت ارادته وزورت في أجسام تابعة للسلطة وتأتمر بأمرها وتنفذ سياساتها ولا تعرف ولا تعترف بفضل للمعلمين الذين تدعي تمثيلهم.وأكثر من حدث يدعم قولنا هذا . وقفات لجنة المعلمين بسبب تأخير المرتبات،اساءات المسؤولين للمعلمين،تطاول الصحافة على المهنة ،تسريب الامتحان وغير ذلك فقد ظلت النقابة وفروعها في الولايات.صامته كأنها من أهل القبور،وفي أحسن الاحوال،كانت هي وما يسمى بالاتحاد المهني صدى لاجهزة السلطة العاجزة والفقيرة في المعرفة والموقف من الحق والعدل..
لا يمكن التصدي لكارثة التعليم التي تكبر بوتائر متسارعة الا بالعودة للاسس الصحيحة الموروثة في حقل التعليم والتربية ولوائح الخدمة وتقاليدها الراسخة وأهمها عدم تسييس التعليم والقضاء على سياسة التمكين واعادة الحق لاصحابه، واعادة الاعتبار لهم، ليكونوا المؤسسات التي تعبر عنهم بصدق وتدافع عن المهنة بحق،وترعى شؤونهم بشرف وأمانة وتلتزم الدولة ومؤسساتها بالشعار الذي ظلت تخدع به الشعب وتوهم به نفسها( الزامية ومجانية التعليم) وهي تصدق للمدارس الخاصة كل عام وتجفف في المدارس التي شيدها المواطنون بجهدهم الذاتي..