
محمد المرتضى حامد
#ملف_الهدف_الثقافي
في طفولتي الباكرة كنت أظن أن (الحرامي) أحد أنواع الوحوش، ورسمت له في مخيلتي شكلًا أقرب ما يكون إلى الشمبانزي أو (الغول) الذي صوروه لنا وحشًا أو حاجة كده قريبة من (البعاتي) الذي ارتبط لنا بالظلام وبعض السفراء والاستراتيجيين، وساهمت في تكوين تلك الصورة عدة عناصر، منها أننا كنا نعرف أن السرقة حاجة شينة للغاية، باستثناء القلوب والنظرة البتذوِّب حجر بالطبع، ثم إنو الحرامي كان يتسور البيوت ليفعلها، لكن العامل الأهم يكمن في أن الحرامي ربما يعتدي على من يعترضه وهو يمارس نشاطه والناس نيام فتسمع ناس الحِلة صباح اليوم التالي يرددون (ناس فلان بالليل جاهم حرامي).
بالطبع هناك آلاف القصص حول عمليات و(ثقافة) السرقة، منها الذي ينتهي بمشاهد مؤسفة، ومنها الذي لا يخلو من طُرف حين تُحكى، لا سيما تلك التي يضيف إليها الرواة من أخيلتهم بهارات لزوم التشويق فتغدو البطولات أحيانًا مجرد مواجهات متوهمة كأقصوصة (صرفت ليها بركاوي).
كبرنا وكبرت أحزاننا فعرفنا أننا ظلمنا البعاتي والشمبانزي والغول والوحوش الضواري بعدما اكتشفنا أن الحرامية أخطر وأقبح بكثير، فهم يتراوحون بين رؤساء ووزراء وجنرالات وولاة ومعتمدين و(نظاميين) و(مسؤولين) وهاكرز وجيوش انتهازيين ومتملقين وتجار يتزيون بجلابيب ناصعة البياض وعمائم وجاكتات وياقات منشاة وعباءات تقول يا ليل، للأسف دخلت بعض الفيميلز على الخط (كار اللطش والاحتيال) ومعهن هوانم لا تعوزهن القيافة الخارجية وطلاوة اللسان يتخذن من المكياج وابتسامة الغباء الاصطناعي والعبارات المسطحة نوع oh my days كأدوات للاحتيال، وهنا لدغة الكوبرا..
من يداومون على حضور جلسات المحاكم تستثيرهم قصص الحرامية فتجدهم ينصتون باهتمام لأن فعل السرقة نفسه يتضمن مغامرات مثيرة وربما مواجهات مع ضحاياهم والشرطة وقصص شائقة، وبمناسبة المحاكم حكى أحد أشهر المحامين رواية طريفة تتلخص في أن لصًا دخل بيت (عزابة) وهم في الحوش يتصنعون النوم وبعدما دخل الغرفة كمنوا له بالخارج فخرج ببقجة ملابس معتبرة فقبضوا عليه، دقوهو دق الطار، ضربوهو ضرب الحساده وحموهو يقلب الشهادة، مما أفضى إلى موته. تم تقديمهم للمحاكمة بتلك الجناية وبعد انتهاء المحاكمة بنتيجة كانت في صالحهم طالبهم المحامي بأتعاب فلكية فتهامسوا بينهم: الحرامي كان أرحم من ال….
ما دعاني للكتابة عن هذا الموضوع مشاهدتي فيديو من تسجيلات هذه الأيام القميئة وفيه بعض المسلحين وقد قبضوا على لصوص وسأل مسلح أحد اللصوص:
يا زول انت شغال شنو؟
الحرامي دون أن يطرف له جفن:
شغال شفشفة (shafshafa)
المسلح: يعني حرامي؟
فأجاب بجرأة يحسد عليها: آاييا.
قرب يقول ليهو بالهنا والشفا..
سألت بعض أولادنا الشباب عن معنى (الشفشفة) فتنحنحوا وحمدوا الله وأثنوا عليه وأفاضوا الشرح عن معاني الشفشفة وأنواعها والفارق بينها والنهب والسرقة والنشل، وأضافوا أن استعمال المصطلح يحدده الحال وشخص ونوع المسروق والزمان والمكان، لكنها عمومًا تتمحور حول (النشل) للمنقولات الخفيفة خلسة من حيازة صاحبها أو (تشليحها).
قالوا أنها تنقسم لشفشفة حميدة وأخرى خبيثة، والحميد منها أن يتم استدراجك لبرنامج سهرة لهم وهم، بأريحية، يدركون أنك ستتولى الدفع بكامل رضاك، وبالتي هي أحسن، ال debit card، أما الشفشفة الخبيثة فيمارسها بعض المحتالين في مجتمعاتنا كمن يقترض منك مالًا على وعد بالسداد بنهاية الشهر وثقة منك في المقترض لا تتردد في إقراضه ويمر الشهر ثم العام ثم القرن ثم ضاع الأمس..
(يمر العام تلو العام لا الأحلام تصدق لا ركام الهم يسقط من حساباتي).
أضاف الشفوت أن هناك (شفشفة) يكون محلها الإنسان نفسه، وهناك فارق بين هذه والشلب، ففي الشلب تنتقل الحيازة كاملة لكن في الشفشفة (البشرية) يكون الأمر مؤقتًا كالإعارة أو الإيجارة وربما بمثابة (سحبة) لونسة بريئة وعشاء خاص مع (التحلية) والشاي المنعنع ومكتوب في خلفية المشهد (مُنعت شيئًا فأكثرت الولوع به.. وأحب شيء إلى الإنسان ما مُنِعا)..
شفشفوا النية..
أحسست أن أولئك الشباب لهم معجم ثري ومفصل في هذا الاتجاه وإنو القصة ما ساي، فقادني الفضول أن أسترسل في أسئلتي لأولئك الشفاتة عن قاموس ومانيوال الشفشفة، فأفادوا بأن أستبعد كل الذين سرقوا البلد ومواردها فأولئك لا علاقة لهم بالشفشفة، ديل مجرمين عتاة عديل وخطورتهم تكمن في تغليف السرقة والنهب أحيانًا بسيلوفان كهنوتي وديني، وقد تتطاول السرقة زمنيًا ل 30 عامًا زي بتاع السقالة، الذي غَمَت بضع ملايين من الدولارات تحت اللحاف، فهؤلاء تتسع شهيتهم لنهب بلد بحاله حتى يغني الشعب عندي التلت من مالي وعندك التلتين، شيء عجيب في شفشفتك يا فريع تمكين. ومن أشهر تلك الفصيلة موبوتو سيسيسيكو، الذي لهط 4 مليار دولار من مال زائير، يعني أفاعيل (كسرت سني) بالنسبة له دافوري ولعب شفع ساي.
هناك فئة أخرى تتمثل في تجار يضاعفون الأسعار إلى أرقام فلكية مستغلين الكوارث والحروب، كسائقي وسائل النقل والمواصلات بدءًا من الدرداقة وليس انتهاءً بالبوينج، وكذا أصحاب البيوت والشقق التي يؤجرونها للمحتاجين، غرفتين جالوص (محمد أحمد) بألف دولار في الشهر في بلدة قصية لا تجدها حتى في جوجل إيرث، أنا لا أتحدث عن سانتوريني أو سانتا باربرا أو سانتا مونيكا، بل سانتا كسلا وسانتا دنقلا وسانتا مدني وغيرها ونحمد الله أنهم قلة.
إنهم اللصوص أثرياء الحروب.
الشباب قالوا لي دي ما شفشفة ياخ، دا شغل مجرمين وجاء اليوم الذي انكشفت فيه حقيقة (اللدر العلي ضهرو الخبوب والطين. ما بياكل الضعيف وما بسولب المسكين)، هسه يسولب وياكل الضعيف ويهضمو بغُباشة.
ومرات شربوت..
بالطبع سالفة الشفشفة ليست قصرًا على الذين شاهدهم العالم في وسائل التواصل وهم يسرقون أثاث وممتلكات غيرهم على كافة وسائل النقل بما في ذلك الكارو، وهؤلاء هم نمل الفتات، فقد سبقهم عماليق الحرامية الذين نهبوا الأراضي فتجد الواحد منهم يمتلك 99 قطعة أرض بعدد الأسماء الحسنى، فهم يتبعون الدين في كل خطوة، نهبوا دهب الخزاين واشتروا حرائر تشبه الموز في الجناين ولو أثنيت على قحت قالوا عليك خاين مع إنك ما تقححت بس جيت تعاين.
حدثتني طبيبة، لو عايز تعرف الشفشفة المن أمها أمشي مستشفى (س) الخاص، فهناك مونديال الشفشفة.
هناك أيضًا شفشفة معنوية يتم فيها نشل المشاعر دون أن تحس الضحية بما تعرضت له وثمة (حرفاء) في هذا المجال يصعب كشف شفشفتهم حتى بتقنية ال VAR، جماعة البنفسج الخيميائيين وأنصار راسبوتين، تحلف تقول بيشتغلوا تنويم مغناطيسي، وعند عتبات (الحب) الاحتياطي تحدث عدة شفشفات يختلط فيها حرامي القلوب بحرامي الجيوب…
قيل لي الشفشفة قد تتأتى أيضًا من الزوجات، وهذه في الحقيقة من أظرف أنواع الشفشفة، فالمُشفشِفة تملكك أنت ذاااتك ومالك، وهنالك بعض الأزواج يتخلون لزوجاتهم عن كل شيء بمقولة (نحن مش حاجة واحدة وحاجاتنا واحدة يا حبيبي؟ وطيب؟) فيُقنعن أزواجهن بهذا الفهم الاشتراكي اليوتوبي العسل وهنا تتحول الشفشفة إلى بلشفة وسرعان ما يجدوا رصيدهم وقد تحول إلى منشفة، أولئك يُعرفن بالمناشفة. حليل تروتسكي وكارل كاوتسكي.
واحد صاحبي قال لي نوع الأزواج ديل نطلق عليهم ال WHO وهي مختصر Weak Husbands Organization.
Leave a Reply