حقوقنا في الأعمال غير مدفوعة الأجر.. مطلب نسائي بالعدالة والاعتراف

صحيفة الهدف

مقبولة عيسى

#ملف_المرأة_والمجتمع

واقع غير مرئي: العمل في الظل

رغم أن النساء في السودان يقمن بأدوارٍ محورية في الرعاية المنزلية، وتدبير شؤون الأسرة، ورعاية كبار السن والمرضى، إلا أن هذه الأعمال تُعتبر “غير اقتصادية” ولا تُحتسب ضمن الإنتاج الوطني أو أنظمة الحماية الاجتماعية. هذا التهميش يكرّس الفقر النسوي، ويحدّ من فرص المشاركة الاقتصادية والسياسية للمرأة.

حكاية فاطمة: صوت من الواقع

فاطمة، التي تجاوز عمرها الخمسين قليلاً، وتقيم في حيّ شعبي في إحدى المدن الكبيرة في السودان، تحكي بمرارة عن عدم تقدير المجتمع لجهدها في الأعمال المنزلية ورعاية والدتها، فتقول: “اسمي فاطمة. يقولون إنني “لا أعمل”. لكنني أستيقظ قبل الشمس، أعدّ الفطور لأربعة أطفال، أداوي جرح زوجي الذي أُصيب في الورشة، أحمّم أمي التي لم تعد تقوى على الحركة، وأغسل، وأطبخ، وأواسي، وأدعو الله أن تمرّ الليلة بلا أزمة صحية جديدة. لم أدرس الاقتصاد، لكنني أعرف أنني لو توقفت عن عملي، سينهار هذا البيت. ومع ذلك، لا أحد يعترف بي كعاملة. لا راتب، لا تأمين، لا تقاعد، لا صوت. ما كنتُ لأحكي لكم لولا أن آلاف النساء مثلي يحملن المجتمع على أكتافهن، دون أن يُحسب لهن حساب. لأن العدالة لا تعني فقط المساواة في الوظائف، بل الاعتراف بما هو غير مرئي: الرعاية، والحنان، والتنظيم، والصبر، والاحتراق اليومي في سبيل الآخرين.”

مطالبنا: نحو عدالة شاملة

نحن لا نطلب إلا الاعتراف الرسمي واحتساب أعمالنا في الناتج المحلي، كما يُحسب الطوب والحديد. وأن تُدرّس قيم الرعاية في المدارس، لا كواجب نسائي، بل كقيمة إنسانية.

نحن نطالب أيضاً بالدعم المالي والاجتماعي. أن نحصل على إعانات شهرية لأننا نعمل، حتى لو لم نوقّع عقوداً. وأن نُشمل في التأمين الصحي والتقاعد، لأننا نمرض ونشيخ مثل الجميع. وأن يُشجَّع الرجال على المشاركة في الرعاية، لا أن يُشكَروا على المساعدة، وأن تُعدّل قوانين العمل لتسمح بإجازات رعاية مرنة، للجميع.

كما نطالب بأن تُصمَّم خدمات الرعاية المجتمعية بمشاركتنا، نحن من نعرف الاحتياجات الحقيقية. وأن تُربط الرعاية بقيمنا السودانية. حينما تُدرج أعمالنا في تقارير الدولة، ونحصل على بطاقات تأمين دون أن نُسأل عن الوظيفة، ويُقال لنا: “شكراً لأنكِ تعملين”، لا “أنتِ فقط ربة منزل”. حينها نعرف أننا نجحنا.

خاتمة: لا نطلب صدقة، بل عدالة

أنا فاطمة. لا أطلب صدقة، بل عدالة. لا أريد أن يُنظر إليّ كضحية، بل كركيزة. إن كنتم تبنون السودان الجديد، فابدأوا منّا. نحن من نُطعم، نُداوي، نُواسي، ونُحبّ دون مقابل. لكننا نستحق المقابل، لأننا نعمل.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.