ملهمات من بلادي: عاشقة الست.. قيثارة جوجل

صحيفة الهدف

د. منال جنبلان

#ملف_المرأة_والمجتمع

احتفل محرك البحث جوجل باسمها ووسم محركه بصورتها وهي ترتدي الثوب السوداني وتحمل عودها باعتبارها أول امرأة رائدة في العزف بالعود في الشرق الأوسط وإفريقيا.

تلك هي الأستاذة الموسيقارة، قيثارة السودان ومعلمة الأجيال، أسماء حمزة بشير نصر.

وُلدت الموسيقارة أسماء (1936-2018) بحلفاية الملوك، وتلقت تعليمها الأولى بالمدرسة الأهلية بحلفاية الملوك، وتعليمها الأوسط بالمدرسة الإرسالية الأمريكية ببحري، حتى الصف الثالث، حيث منعها جدها العمدة بشير نصر من مواصلة التعليم كعرف اجتماعي ساد آنذاك.

تقول الأستاذة أسماء في إحدى مقابلاتها التلفزيونية: “أنا أعتبر نفسي في علاقة مع العود، لأنه بالنسبة لي أحب وأقرب صديق”. بدأت علاقتها بالعود منذ العام 1948 وهي ابنة الاثني عشر عاماً، وتحكي طرفة جميلة بأن والدها في ذات مرة دخل إلى المنزل وهتف منادياً إياها: “يا أسماء، ده منو الولد المعاك ده؟” فردت: “ما معاي ولد”. فقال إنه يسمع صوت ولد يُصفّر، فقالت: “دي أنا بصفّر”. فسألها كيف تصفّر مثل الصبيان، فكان أن ردت بحزن: “لأنني أعشق الغناء ولا أستطيعه لعلة في حبالي الصوتية”. قالت: تأثر والدي كثيراً لمرضي وهي علة وُلدت بها، فكان أن أهداني آلة عود لأشبع فيها حبي للغناء، وتعلمتها خلال 15 يوماً فقط!

عزفت أسماء العود في زمن كانت فيه الفتاة تُحرم من التعليم والغناء لأن ذلك يخالف التقاليد والأعراف الاجتماعية، لكنها برعت فيها وكان ملاذها وملجأها من علة صوتها، فأبدعت فيه وما بخلت أناملها بالنغم وهي تداعب الأوتار، وعزفت أجمل الألحان، وكان أولها في العام 1956، أغنية “يا عيوني” من ديوان “الملاح التائه” للشاعر المصري علي محمود طه.

تقول أسماء حمزة بأنها كانت تعشق أم كلثوم كوكب الشرق، ولا تخفي تأثرها الشديد بالفنانة “عشة الفلانية”، وذكرت أسماء في استضافتها بتلفزيون السودان أن الفنانة “عشة الفلانية” قدمت ذات مرة في القطار برفقة عمتها زينب الشاعرة المعروفة آنذاك، وقد مكثت الفنانة “عشة الفلانية” في منزلهم بالحلفايا لإحياء بعض الحفلات، وكانت تتابعها جيئة وذهاباً تستمع لدندنتها حتى لا يفوتها شيء. قالت: كنت أطرب كثيراً لصوت الفلانية وتأثرت بغنائها.

ألّفت ألحاناً، وعزفت أوتاراً في زمن كان المجال يسيطر عليه الذكور، بل وصارت معلمة للعود حيث تتلمذ على يدها الموسيقار الفذ بشير عباس، الذي يذكر دوماً فضلها ويقول: “تعلمت على يد بنت عمتي العود، وما زال ذلك العود موجود.”

أول عمل اشتهرت به كان للقامة الشعرية سيف الدين الدسوقي، فلحنت له رائعته “الزمن الطيب” التي تغنت بها الفنانة سمية حسن ونالت جائزة ليلة القدر الكبرى للموسيقى في السودان في العام 1997 وكانت سبباً في شهرتها. وافتخرت بتلحينها أوبريت “عزة وعزة” وتعتبره أكبر إنجاز لها.

ذكرت ابنتها آفاق يأتي بأن لديها 90 عملاً فنياً مكتملاً، لم يرَ النور منها غير النزر اليسير، فقد لحنت للمبدع الكابلي رائعته “يا أغلى من نفسي” وتذكر أنه جاء إليها في المنزل وسمع اللحن، ولم يتغنَّ به إلا بعد 5 سنين كاملة حيث سمعه لأول مرة كاملاً عندما عزفته هي بثنائية مع عازف العود عوض الحمودي فكان اللحن منساباً عذباً ككلمات شاعرها الأستاذ عبد الوهاب هلاوي، فملأت الأغنية الأروع في الأسافير.

لحنت كثيراً من الأغنيات لعمالقة الفن السوداني: محمد ميرغني، حمد الريح، سمية حسن، عابدة الشيخ وأسامة الشيخ.

وشكلت ثنائية نغمية ووترية مع الشعراء: عبد الوهاب هلاوي، سعد الدين إبراهيم، اللواء أبو قرون عبد الله أبو قرون، حسن الزبير، عبد القادر أبو شورة، عبد القادر الصادق وعمر السنجك.

لم تسلم الموسيقارة أسماء حمزة من الإهمال الذي يعانيه معظم مبدعي بلادنا من السلطات والنقابات المهنية، فعاشت تكابد المرض لفترة طويلة، وفقدت بصر إحدى عينيها لفترة طويلة لعدم توفر 10 آلاف دولار لزراعة قرنية.

رحلت الموسيقارة أسماء في العام 2018 تاركة وراءها احتفاءً ووسماً يخلد ذكراها كأول امرأة ملحنة في السودان، في زمن قُيدت فيه حرية النساء. عازفة العود وقيثارة جوجل أصبحت وتراً أساسياً لتحرر المرأة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.