
ماجد الكناني الضالع
كاتب يمني
#ملف_الهدف_الثقافي
منذ قرون عديدة والطب في تطور مستمر، استطاع هذا المجال أن يشخص الأمراض والعلل، ويجد لها دواء
أخبروه هذه المرة بأن يبحث عن علاجًا للخذلان، هنا فقط سيعلن انهزامه الذريع، أمام هذه النائبة الخبيثة.
لهذا أجزم بأن أقسى العلل الروحية، التي تؤدي إلى انكسارات مميتة هي تلك، التي لا تُرى ولا تُترجم إلى أي لغة.
(خذلان ) هذه الكلمة خماسية الأحرف، ثلاثية الشر ، رباعية الفتك والتأثير، سهلة الكتابة، صائغة النطق، ولكن وقعها كبير ، وألمها شديد، جرحها لا يبرأ أبدًا ، ولو اجتمعوا أطباء الأرض ودراويشها لما وجدوا لها علاج.
جرحٌ مكبوت ، يضرب الروح مباشرة، دون إشارات مسبقة، أو أعراض جانبية.
وهذا سبب عجز الأطباء عنه، لأنه في الروح والروح علمها عند ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليل.
احتدمت منافسة شرسة بين العلقم والخذلان، لأيهما أشدّ مرارة؛ حتى أصبحوا كفرسي رهان ، ولكن العلقم تعثر بكرامته، وفاز الخذلان بأن أصبح الأشد مرارة دون سواه.
تصور أن مدينة تقاتل منذُ أكثر من خمسون عام، دون كلل ، أو ملل ،تستمد عزائمها من الدم، الذي يسيل منها، فكلما سالت الدماء، اتقدت الشعلة أكثر ، وزادت عزيمة المقاومة وقوة التيار، كأنها تفاعلات كهرومغناطيسية.
ما هانت ولا ضعفت، حُوربت من جميع الجهات والجبهات، سُجّلت فيها أبشع المجازر في تاريخ البشرية.
كانت تتعافى من بيان إدانة، وتشفى من تصريح دنيء، وتعود للحياة مرة أخرى باجتماع للقمة العربية، حتى وإن كانت هذه الاجتماعات لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكنها تعني الحياة لهذه المدينة، لأنها آمنت أنها ما زالت في قلوب أنصارها ومحبيها.
لم تكسرها الحروب والإبادات ؛ الآن قُتلت في مأمنها، أتاها الموت من الزاوية، التي كانت تراها ملاذها الأخير.
لم يقتلها العدو، بل كان يقاتلها، من قتلها حقًا هو من كانت تظمّه وترى فيه الأمان، نعم فتيل الشمعة نفسه وأصلها وجذرها المتين هو من قتلها بالخذلان .
هذه الحالة هي إنطفاء الروح، هي المرحلة الأخيرة في الصراع.
أعرفت الآن كمية خطورة هذا الداء، الذي لا دواء له ؟
هنا تكمن بشاعته المرعبة، بأنه لا يُرى بالعين ، بل ينخر الأعماق ، يحس بالروح فقط.
يسري في الجسد كالسم الزعاف ، يخنق الأنفاس، ولكنه ليس الربو ، يُضعف القلب ويربكه، ليس كمرض الشرايين التاجيه، بل أشد ضراوة ، يرهق الجسد ويتعبه ولكنه ليس فقر الدم والسرطان، إنه أبشع من ذلك بكثير.
هنا فقط يصبح الاستسلام لا للعدو ، بل للموت أمرٌ لا مناص منه.
لو كان الخذلان بالأمر السهل ؛ لما قال الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام لنعيم بن مسعود في غزوة الأحزاب: خذّل عنا إن استطعت
لأنه كان يعلم أن التخاذل والخذلان يفعل الأفاعيل، له ميزته الخاصة في قلب الموازين، وإطفاء العزائم ، وتشتت الأرواح ،
لهذا يعدّ الخذلان سلاح فتاك في كل المعارك الروحية والمصيرية .
لأن القتال الحق هو قتال الأرواح وليس قتال الأجساد.
Leave a Reply