
محمد إسماعيل (انقا)
#ملف_الهدف_الثقافي
في قلب المشهد الفني الإريتري، تتجلى أسرة استثنائية شكلت علامة بارزة في تاريخ الفن التشكيلي الوطني، من خلال الثلاثي الرائع: ترحاس إياسو، ولقيسا، وابنتهما مارتا. كل منهم يحمل قصة فنية وشخصية اجتماعية غنية، تجمع بين النضال والإبداع والفن الراقي، لتصبح هذه الأسرة مثالاً حيًا على التفاعل بين الفن والمقاومة والنشأة الثقافية الثرية.
المناضلة والفنانة الرائدة: ترحاس إياسو
ترحاس إياسو ليست مجرد فنانة، بل رمز للفن والمقاومة والتضحية. كانت من الأعضاء المؤسسين لجمعية سقن الإريترية للفنون التشكيلية، التي ضمت نخبة من الفنانين الإريتريين البارزين، ومعظمهم كانوا مقاتلين سابقين في صفوف الجيش الشعبي.
امتازت أعمال هؤلاء الفنانين قبل الاستقلال بالتركيز على البوسترات والعمل الدعائي للثورة، التي جسدت تطلع الشعب للحرية والانعتاق من قيود الاستعمار، فضلاً عن فضح ممارسات العدو وتوثيق الانتهاكات الوطنية.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك البوستر الذي نفذه الفنان مكيلي أدوناي، والذي جسد مجازر الساحل وما ارتكبت من جرائم بحق الأبرياء العزل. ورغم بساطة التقنية، كان لهذه الأعمال وقع عميق على النفوس، وأدت دورها في إيصال الرسالة البصرية، وتوثيق الأحداث، وإشعال مشاعر الوطنية لدى الجماهير.
بعد التحرير، شرع كل فنان في تطوير أسلوبه وأدواته، فأصبح لكل منهم طابعه الخاص والمتميز. ومن بينهم ترحاس إياسو، التي تم تسجيل اسمها في الموسوعة العالمية للنساء العاملات تقديرًا لإنجازاتها الفنية ودورها المؤثر في المجتمع.
بالإضافة إلى كونها مناضلة، أنجزت ترحاس أعمالًا تشكيلية مهمة، شاركت بها في محافل دولية ووطنية، تناولت فيها موضوعات شتى، مؤثرة في المشهد الفني والثقافي. كما كانت تعمل موظفة في وزارة التعليم، مشرفة على فرع التصميم والإخراج الفني في قسم المناهج، حيث كانت تعمل بلا كلل بين أكوام الخرائط ولفافات الورق والمراجع والكتب المنهجية، ساعات طويلة بعد انتهاء الدوام الرسمي، وكأنها تخوض معركة فنية يومية.
حياتها الخاصة وذوقها الفني
ترحاس إياسو عُرفت بأناقتها وذوقها الرفيع، وقد خصصت في منزلها صالة عرض صغيرة أو متحفًا مصغرًا يحتوي على لوحاتها، مجموعة من الأثاث التركي، التحف والانتيكات، ومجموعة واسعة من الأسلحة البيضاء القديمة مثل السيوف والخناجر والفؤوس والدروع، مرتبة بعناية فنية على الجدران، إلى جانب الهدايا والبراويز والشهادات والصور التذكارية، ما يعكس ذوقها الفني الرفيع وحسها الجمالي المرهف.
كانت شخصية ترحاس تتسم بالشياكة والأناقة والجمال، حتى أثناء انشغالها بالعمل المكثف، فقد قصت شعرها الطويل الأسود، ارتدت البنطال الجينز وحذاء رياضي من نوع “أديداس”، وكانت تمشي بخطوات واثقة وتغنج في الكلام بأسلوب راقٍ كسيدة من أزمرينا، قلب العاصمة.
الشريك الفني: ولقيسا
زوجها المناضل والفنان ولدو أفورقي المعروف بلقب ولقيسا، كان عضوًا مؤسسًا وشخصية أساسية في الجمعية، يمتاز في أعماله بالألوان الباردة التي تعكس شخصيته الهادئة، وبأسلوب البناء والتركيب المعقد المعروف بالبِنيوية، حيث يختار مواضيعه بعناية ويعالجها بصبر وجهد كبير، فتخرج لوحاته متقنة ومتماسكة، كمنمنمات فنية رائعة.
الجيل الجديد: مارتا ولدو
نشأت الفنانة مارتا ولدو في هذا الجو الأسري الملهم، محاطة بالألوان والفنانين المبدعين، وأظهرت منذ طفولتها موهبة رائعة في الرسم والباليه. تحيط بها روح الإبداع منذ الصغر، فقد كبرت محاطة بكوكبة من الفنانين المبدعين من رفاق والديها في جميع مراحل حياتها، مما ساهم في صقل موهبتها الفنية بشكل كبير.
حازت مارتا على جوائز مهمة قبل مغادرتها إلى الصين ضمن منحة دراسية عام 2004، مؤخرًا فازت بجائزة فخر إفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ لعام 2025 في مجال الفن والثقافة، ما يعكس استمرارية الإبداع الفني في الأسرة وتوريثه للأجيال الجديدة.
ألف مبروك للفنانة المبدعة مارتا ولدو على هذه النجاحات الباهرة، وتهانينا القلبية للأب المناضل ولقيسا على إنجازات ابنته. رحم الله الفنانة الرائدة ترحاس إياسو، وسلامنا لجميع أعضاء جمعية سقن الإريترية للفنون التشكيلية.
الصورة: دموز راسوم، ولقيسا ولدو أفورقي، والد الفنانة مارتا ولدو، د.يوسيف يوهنس، مدير مستشفى حليبت المركزي، عضو فخري، برهاني أدوني، ممثل جمعية سقن، ترحاس إياسو، والدة الفنانة مارتا ولدو، محمد إسماعيل (انقا)، الفنان تيدروس، مكيلي أدوناي، الفنان إبراهيم
Leave a Reply