لعنة الحرب

صحيفة الهدف

بقلم: إسماعيل  مضوي

#ملف_الهدف_الثقافي

الحرب، في معناها الأعمق، ليست مجرد نزاع بين طرفين متحاربين، بل هي آلة طحن تأكل الأخضر واليابس، وتترك خلفها شعبًا ممزق النسيج، واقتصادًا منهارًا، وذاكرة جمعية مليئة بالجراح. كل شخص مؤيد للحرب أو داعم لمواصلة النزاع، عليه أن يتهيأ لأسوأ السيناريوهات، وأن يكون مستعدًا لدفع الفاتورة القانونية قبل الفاتورة الأخلاقية. بينما على النقيض، كل من هو ضد الحرب يجد نفسه يدفع فواتير لم يستهلكها، ولم يشارك في صنعها، ولم يؤيدها يومًا.

إن الدماء التي سالت، والانتهاكات لحقوق الإنسان التي ارتُكبت، والحصار الذي خنق المدن، وذلّ السودان في أسواق السياسة الدولية، وبيع المواقف مقابل خدمات سياسية أو دعم عسكري – كل ذلك ليس إلا جزءًا من الثمن الباهظ لاستمرار الحرب. لقد دفع السودان والسودانيون من فقرهم ولقمة عيشهم أغلى ما يملكون، وما زالت الفاتورة مستمرة، وستبقى كذلك طالما أن هناك من يعتقد أن النصر العسكري ممكن، متجاهلاً حقيقة أن الحرب لعبة محصلتها صفرية لا رابح فيها.

ولمن يتوهم النصر، أقول: هيهات. الحرب سجال، واليوم الذي يظن فيه طرف أنه حسم المعركة، هو اليوم الذي تبدأ فيه جولة جديدة من القتال، وربما أشد ضراوة، تنتقل من مدينة إلى أخرى، حتى تغرق البلاد في دورة لا نهائية من العنف.

إن السلام ليس خيار الضعفاء، بل هو أعظم انتصار استراتيجي يمكن أن يحققه شعب أنهكته المعارك. فإما أن نتوقف الآن، أو سنواصل دفع فاتورة حرب لا تنتهي، حتى نصحو ذات صباح لنجد أن الوطن نفسه أصبح ضحية في صراع لا يرحم في ميزان السياسة الدولية.

في الساحة السياسية الدولية، لا توجد حرب مجانية. كل رصاصة تطلق، وكل قذيفة تسقط، وكل قرار عسكري يُتخذ، يحمل في طياته مسؤولية قانونية ومسؤولية أخلاقية لا يمكن التنصل منها. كل داعم للحرب، سواء كان فاعلاً مباشرًا أو ممولاً غير مباشر، يجب أن يعلم أن القانون الدولي الإنساني لا يرحم، وأن محكمة الجنايات الدولية لا تسقط التهم بالتقادم.

وعلى النقيض، فإن كل من هو ضد الحرب يدفع فاتورة سياسية واقتصادية لم يستهلكها ولم يشارك في صنعها، لكنه يتحمل نتائجها، من تهجير قسري، إلى انهيار البنية التحتية، وفقدان الأمن الغذائي.

إن السودان اليوم يواجه أسوأ مزيج من هشاشة الدولة وكارثة إنسانية، حيث تُباع المواقف الوطنية مقابل دعم عسكري أو اعتراف سياسي، وتُفتح الأبواب لتدخلات إقليمية ودولية تبحث عن مصالحها في فراغ السلطة الذي تركته الحرب. الدماء التي سالت، والحصار الذي خنق المدن، والانتهاكات الموثقة، كلها ليست حوادث عابرة، بل هي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ستظل ماثلة في ملفات التحقيق لعقود.

ولمن يراهن على النصر العسكري، أقول: الحرب ليست سيناريو الفوز والخسارة، بل هي معادلة الخسارة والخسارة، حيث يخرج الجميع خاسرًا،

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.