
بقلم: علي فوزي
أثار المقال الذي كتبته الأستاذة رشا عوض تحت عنوان “هل مصر هي السبب الرئيس في إلغاء اجتماع الرباعية؟” نقاشًا واسعًا، لما تضمنه من اتهامات صريحة للدور المصري في الشأن السوداني. هذه الاتهامات – في نظر كثيرين – لا تستند إلى وقائع موثقة، وتتجاهل أدوارًا موضوعية تقوم بها القاهرة لصالح العملية السلمية في السودان.
وانطلاقًا من أهمية تصويب السرديات العامة حول الفاعلين الإقليميين، أرى من المهم إبداء الملاحظات التالية:
أولًا: مصر ليست خصمًا للعملية السياسية السودانية، بل حليف طبيعي للشعب السوداني
لم تكن مصر يومًا حجر عثرة أمام جهود الحل السياسي في السودان، بل ظلت دومًا الحاضنة الأولى للسودانيين في الأزمات. فهي الأقرب جغرافيًا ووجدانيًا، واستقبلت – دون شروط أو تمييز – الملايين من السودانيين الفارين من جحيم الحرب، في وقت أُغلقت فيه الحدود أمامهم من أطراف أخرى.
ثانيًا: القاهرة منحت القوى المدنية السودانية فضاءً آمنًا للحوار
بينما واجهت القوى المدنية السودانية تضييقًا داخل السودان، فتحت القاهرة أبوابها لاستضافة حوارات شاملة بين المكونات السياسية والمدنية السودانية. وقد شهدت العاصمة المصرية عشرات اللقاءات التي جمعت تيارات مختلفة، دون وصاية أو تدخل في أجنداتها، ما يجعلها إحدى الساحات النادرة التي سمحت ببناء تفاهمات وطنية.
ثالثًا: مصر تدعم وحدة السودان وسلامه الشامل لا مصلحة لها في استمرار الحرب
الادعاء بأن القاهرة تستفيد ماديًا من الحرب غير مدعوم بأي دليل واقعي، ويتناقض مع مواقف مصر المعلنة في المحافل الدولية، حيث شددت مرارًا على ضرورة وقف الحرب والحفاظ على كيان الدولة السودانية. الدفاع عن مؤسسات الدولة لا يعني الانحياز إلى طرف، بل هو تعبير عن مخاوف مشروعة من انهيار الدولة بما يحمله ذلك من تداعيات إقليمية كارثية.
رابعًا: حكومة بورتسودان ليست “صنيعة مصر” ولا تمثل موقفها
الربط بين القاهرة وحكومة د. كامل إدريس، واعتبارها واجهة للبرهان، فيه تجاوز غير منصف. فالقاهرة لا تملك فرض شرعية على الشعب السوداني، لكنها تنخرط – بالتنسيق مع الاتحاد الإفريقي والشركاء الإقليميين والدوليين – في دعم جهود حوار سوداني شامل. التعامل المصري مع حكومة بورتسودان يأتي في إطار الواقعية السياسية، لا كخيار مفضل أو مفروض.
خامسًا: إلغاء اجتماعات الرباعية نتاج تباينات دولية لا دور لمصر فيها
الزعم بأن القاهرة عطّلت اجتماعات الرباعية يتجاهل عوامل أكثر تعقيدًا، من بينها الخلافات داخل الإدارة الأمريكية، والتباينات بين أطراف المجتمع الدولي حول آليات الحل. مصر لا تعرقل هذه المسارات، بل تعمل على تقريب وجهات النظر، انطلاقًا من إيمانها بأن الحل الحقيقي يجب أن ينبع من الداخل السوداني.
خاتمة: مصر شريك لا وصي
إنّ انتقاد السياسات الإقليمية حق مشروع، لكن تحميل طرف بعينه كل إخفاقات المسارات السياسية يفتقر للإنصاف. مصر لم تدّعِ الوصاية على السودان، لكنها ظلت – رغم تعقيدات المشهد – منبرًا مفتوحًا للحوار السوداني، وشريكًا فاعلًا في كل جهد يهدف إلى تحقيق سلام مستدام يحفظ وحدة السودان وتماسك مجتمعه.
Leave a Reply