لقد وقعتُ في حبّ معلمتي!

زكريا نمر
#ملف_الهدف_الثقافي

كعادتي، وفي مساءٍ كئيب، كنت جالسًا وحيدًا في أحد المقاهي، تمامًا كأي شابٍ جنوبيٍّ تأكله الوحدة ويقتله الفراغ. لا عمل يشغلني، ولا حلم أتشبث به. فقط يوم مملٌّ يشبه جحيمًا لا يُطاق، وكأنني خرجت توًّا من معركة موتٍ صامتة.

قضيتُ ساعاتٍ أرتشف قهوتي المُرّة، تلك التي طعمها يشبه “العرقي” البلدي؛ لا لأنها تُسكر، بل لأنها تحمل مرارةً تشبه الحياة. فجأة، قاطع وحدتي صوتٌ جهير، لرجل يتحدث بحماس عن الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد. كان يخوض في جذور الصراع بواقعية شديدة، لكنني لم أعد أحتمل هذا النوع من الحديث. لقد سئمت التحليلات التي لا تُفضي إلى حل، والنقاشات التي لا تلد سوى مزيدٍ من الحسرة على الأطلال.

قررتُ أن أعود إلى المنزل، لعلّ سريري يمنحني عزاءً لروحي المنهكة. لكن ما إن خطوت خطوات قليلة حتى بدّلت رأيي وقلت: لماذا لا أزور أخي الأكبر؟ فهو وحده من يحتمل بوح قلبي إذا اختنق. غير أنني فجأة تذكّرت: نسيت باب غرفتي مفتوحًا، والغرفة كانت مليئة بالأوراق والفوضى، كأنها مرآة تعكس حالتي الداخلية.

رجعت مسرعًا، دخلت غرفتي فغمرني الظلام. بدأت أبحث عن مفتاح الكهرباء، فأنا أكره الظلمة كما أكره الذكريات المؤلمة.

استلقيتُ على السرير، لكن عقلي لم يهدأ. حملني إلى زمنٍ بعيد… إلى أيام المدرسة الابتدائية. كنت حينها في الحادية عشرة من عمري، لحظةً تذوّقتُ فيها طعم الحب للمرة الأولى. كنتُ في الصف الرابع، وهناك وقعتُ في حبّ معلمتي. حبٌّ لم يكن يشبه حبَّ الأطفال لمعلّميهم؛ كنت أشعر أن مشاعري تجاهها أعمق من مجرد إعجاب عابر. لدرجة أنني فكرت جديًّا في أن أرسب في مادتها، فقط لأبقى عامًا إضافيًا معها، وكأن الرسوب كان وسيلةً لتكريم محبتي.

لكن كما في كل الحكايات الجميلة، لا بدّ أن يتسلّل الحزن.
في أحد الأيام، رأيتها تشرب القهوة وتبادل النظرات مع أحد المعلمين. كانت تضحك وتتغزّل فيه بلهفة، بينما قلبي من بعيد يتكسّر كزجاج نافذةٍ أصابها حجر الحقيقة. شعرت بالخيانة… نعم، كنت طفلًا، لكن مشاعري كانت صادقة.

منذ ذلك اليوم، كرهتُ مادة الرياضيات كرهًا شديدًا، لأنها ارتبطت باسمها، وصوتها، وضحكتها. لقد دمّرت بأسلوبها جذور قلبي، وحطّمت مقامات الحب الطفولي داخلي.

استيقظت فجأة…
واكتشفت أنني كنت أحلم.
حلمٌ قديم عاد من الذاكرة، ليوقظ فيَّ وجعًا نائمًا منذ سنوات.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.