سواقة الكبدة.. وسواقة الفول

صحيفة الهدف

إسماعيل مضوي
#ملف_الهدف_الثقافي

أحد المغتربين قرر إنه يرجع البلد نهائيًا ويستقر، ومن ضمن خياراته لمصدر الرزق، اشترى حافلة مواصلات، وعيّن لها سائق من الناس البعرفو الشغل ده كويس.

في أول جولة بالحافلة، دعاه السائق لمراقبة سير العمل. وبعد أول مشوار صباحي (فَردة)، عرّج بيهم السائق جنب مطعم فخم معروف باللحوم والمشويات، وطلب ما لذّ وطاب من كبدة بالطوة ومشويات وحاجات تانية من النعم التي لا يجرؤ أي شخص عادي على الاقتراب منها، ودفع الحساب كاملًا من دخل أول مشوار للحافلة، وصاحب الحافلة ساكت من الذهول!

لكن بعد الإفطار، وقبل ما يبدئ صاحب الحافلة أي امتعاض أو اعتراض على هذا النهب “المصلّح” والجرئ، لاحظ أن السائق بعد ذلك أبدى حرصًا منقطع النظير على سلامة الحافلة؛ فكان يتفادى الحفر والحجارة بحرص شديد، ويسوق ببطء عند المطبات، وينزل بها من الأسفلت عند الوقوف للزبائن حتى لا تظل الحافلة مائلة بحمولتها كما يفعل سواقين الحافلات عادة…

وبعد المشوار والإفطار الدسم، رجع صاحب الحافلة إلى بيته، تتنازعه الهواجس بين رضاه عن السائق وشفقته على الدخل الذي سيروح “شمار في كبده”.

في اليوم التالي، تكرر المشهد، حضر السائق إلى البيت وأخذ صاحب الحافلة في جولة تفقدية أخرى… أضمر فيها صاحب الحافلة نيته في مفاتحة السائق عن موضوع الكبدة “وإنو المسألة ما بتتحمل”، لولا أن السائق ردّ عليه عمليًا هذه المرة، ووقف أمام محل فول، وطلب فول بالزيت فقط، بدون أب نوع من المحسنات البديعية…

وبعد الفول، شاهد صاحب الحافلة أبشع طريقة يمكن أن يقود بها إنسان سيارة! هجوم على الحفر، قفز فوق المطبات، والسائق لا يكترث لرجاءات صاحب الحافلة وصراخ الركاب، إلى أن خلص المشوار…

وعاد الاثنان إلى البيت، ليقطع السائق حيرة صاحب الحافلة قائلاً:

“اسمع يا معلم… أنا قصدت بس أوريك الفرق بين سواقة الكبدة وسواقة الفول.. وإنت حدّد عايز ياتها… عشان ما تجي تلقانا نسفسف في مطعم تقول أكلنا حقك”.

طبعًا، أخونا المغترب حسبها سريعًا في دماغه، ووجد إنو سواقة الكبدة أرحم وأوفر بكثير… ما سيوفره الفول سيذهب أضعافه لقطع الغيار…

واتوكل وقال للسائق:

“خلينا في الكبدة أحسن، وتنفعك إن شاء الله… بس أعمل حسابك من القاوت!”


تخريمة:
لو فعل الكيزان كما فعل سائق الحافلة، لنالوا كل الرضا… ولكنهم للأسف أكلوا الكبدة، وساقونا سواقة الفول…

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.