قراءة حول زيارة وزير خارجية فرنسا للمنطقة

قراءة حول زيارة وزير خارجية فرنسا للمنطقة
بقلم: عبد الله رزق

في ملمح ذي مغزى لتأكيد حضورها في مستعمرتها السابقة، وصل وزير الخارجية الفرنسي، جان إيفل ودريان، أول نوفمبر الجاري، الى بانغي، عاصمة جمهورية افريقيا الوسطى، حيث قدم مساعدات لحكومتها بما قيمته 27 مليون دولار مع وعد بتقديم أسلحة لجيش البلاد، لأجل استعادة المستعمرة السابقة، وفق تعبير لوموند، في مواجهة النفوذ الروسي المتزايد. وزير الخارجية، الذي جاءت زيارته لبانغي، في إطار ما يمكن إعتباره رد فعل فرنسي صريح، على المبادرة الفرنسية لانهاء الاقتتال الأهلي في افريقيا الوسطي، كتعبير عن تطور وتنامي الوجود والنفوذ الروسيين في هذه البلاد لم يفوت الوزير الفرنسي الزائر المناسبة للتقليل من شأن هذه المبادرة، التي تجد التأييد من حكومة أفريقيا الوسطى، حيث أكّد مراراً انه لا بديل عن المبادرة الإفريقية.
وتطورت العلاقات بين روسيا والمستعمرة الفرنسية السابقة، في الآونة الأخيرة، وحسب الانباء المتواترة، فقد قدمت روسيا – أيضاً- أسلحة لجيش افريقيا الوسطي، مثلما أوفدت مدربين، مدنيين وعسكريين، لتدريب الجيش. وحلت قوة عسكرية روسية، محل القوات الرواندية التابعة لقوة حفظ السلام الافريقية، في حراسة القصر الرئاسي في بانغي، وتوجت روسيا كل ذلك بمعاهدة دفاع مشترك مع افريقيا الوسطى.
وكانت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، قد سبقته الى تفصيل الموقف الفرنسي من المبادرة الروسية، في حديث لها، في اكتوبر الماضي، لصحيفة جون أفريك، شككت فيه، بجدوى أي مبادرة، غير مبادرة الاتحاد الافريقي التي تدعمها الامم المتحدة، وتساندها فرنسا، في التأثير إيجاباً على الوضع الأمني في افريقيا الوسطى. وقالت أن روسيا لن تساعد في تحقيق الاستقرار في ذلك البلد المضطرب. وفي سياق هذه المواجهة الكلامية المتصاعدة، لم تجد روسيا بداً من الرد على فرنسا، ووصفت الموقف الفرنسي بأنه عبير عن الغيرة إزاء الدور الروسي! وشهدت أفريقيا الوسطى حرباً اهلية بين المسلمين والمسيحيين، في أعقاب سقوط حكم الرئيس فرانسوا بوزيزيه، عام 2013 وصعود جماعة سيليكا الاسلامية للحكم. ولم تستطع الجهود اللاحقة لاحتواء الموقف، بما في ذلك إنهاء حكم سيلكا، وعقد انتخابات، بعد فترة انتقالية، جاءت بالرئيس الحالي، فوستان أرشانج تواديرا، في ان تطفئ نار العنف الطائفي التي اندلعت منذ ذلك الوقت. وطالبت بارلي بإعطاء المبادرة الافريقية، التي أطلقت في يوليو عام 2017، كامل الفرصة لتحقيق اهدافها. الا ان تعثر المبادرة الافريقية وعدم قدرتها على تحقيق أي تقدم على الارض، وفق مراقبين، كان دافع روسيا للتقدم بمبادرة بديلة، أعلنت عن نفسها بشكل محسوس باجتماع الخرطوم في أغسطس الماضي. وكانت بارلي قد اتفقت مع الرئيس التشادي، ادريس ديبي، خلال زيارة لها لانجمينا، العاصمة التسادية، على ذات الموقف، والذي يمكن أن تسعى فرنسا لاستقطاب رؤساء افارقة آخرين للإصطفاف حوله، مثلما دعت لذلك في وقت سابق. وفي إطار هذه المبادرة الروسية، استضاف السودان، في اغسطس الماضي، خمساً من الفصائل المتناحرة في افريقيا الوسطى، بجانب ممثلين لحكومة افريقيا الوسطى، في مسعى لتحقيق السلام. الا ان موقع سودان تريبيون، اورد لاحقاً، ان اثنين من الفصائل الخمسة، التي شاركت في الاجتماع، قد خرجا على ” اعلان الخرطوم “، الذي صدر عن الاجتماع.
وكان من المقرر، بناء على معطيات اجتماع الخرطوم، عقد اجتماع ثان موسع بالخرطوم، منتصف نوفمبر الجاري، بمشاركة الاطراف المعنية كافة، وبحضور عدد من القادة الافارقة. إلا ان الفيتو الفرنسي، والتحركات الفرنسية لإعادة حشد التأييد الرسمي الافريقي للمبادرة الافريقية، ربما شكل عقبة امام مضي المبادرة الروسية – السودانية الى نهاياتها، بانجاز اتفاق سلام في افريقيا الوسطى بمشاركة كافة الاطراف. إذ أن الانقسام الدولي حول الموضوع، والذي يضع فرنسا وحلفاءها القاريين، في مواجهة روسيا وحلفائها، من الجهة الأخرى، من شأنه ان يعمق الانقسامات في البلد التى تعاني، اصلاً، من انقسامات تناحرية، عرقية وطائفية، باستقطاب جديد بين منهم هم مع فرنسا ومن هم مع روسيا، مثلما قد يشي باحتمال انقسام قاري حول الموقف من المبادرة الروسية – السودانية. في هذا السياق من الاستقطاب والاستقطاب المضاد، الذي بدأت تشهده الساحة الداخلية في افريقيا الوسطى، أورد أحد المواقع مؤخراً، أن رئيس الوزراء كان وراء محاولة لتنظيم تحرك مناهض لفرنسا، تم احباطه بعد اجتماع ضم الرئيس، فوستان أرشانج تواديرا مع السفير الفرنسي في بانغي.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.