أيها القارئ الكريم،
بين أيدينا اليوم عدد جديد من ملحق “الهدف الاقتصادي”، لكنه ليس اقتصاد الأرقام الجافة، ولا جداول المؤشرات العقيمة، بل اقتصاد الوعي، اقتصاد القيم، اقتصاد الحياة في زمن تحوّل فيه المال إلى صنم، والأسواق إلى ساحات ق.تال، والإنسان إلى مجرد وحدة استهلاك.
نكتب اليوم عن اقتصاد يختلف جذريًا عما اعتدنا عليه؛ اقتصاد لا يُقاس بنمو الناتج المحلي فقط، بل بنمو الكرامة الإنسانية، ولا يُحسب بكمية السلع المنتجة، بل بجودة الحياة المعاشة. فليس الاقتصاد علماً مادياً فحسب، بل هو في جوهره ظاهرة إنسانية تربط بين دموع أمٍّ تدفع من قوت أطفالها لتعليمهم، وعرق عاملٍ يطالب بحقه في العيش الكريم، وضمير مستثمرٍ يدرك أن أرباحه ليست مجرد أرقام، بل أمانة تجاه المجتمع.
إن الاقتصاد الحقيقي هو النسيج الأخلاقي الذي يربط بين الأفراد والمجتمعات، ويدفعنا لإعادة تعريف مفهوم التقدم: فليس التقدم تكديساً للثروات المادية، بل ارتقاء في سلم القيم الإنسانية، وانتقال من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة العطاء، ومن منطق التملّك إلى منطق الانتماء. وهو السؤال الوجودي الذي يجب أن يسبق أي قرار مالي: لمن المنفعة؟ وعلى من الضرر؟
إنها البوصلة الأخلاقية التي تعيد للاقتصاد روحه، وتؤكد أنه وُجِد لخدمة الإنسان لا لاستعباده. فخلف كل قرار اقتصادي إما إنسان تُصان كرامته أو تُهدر، وإما مجتمع يُبنى أو يُهدَم.
وفي خضمّ ويلات الح.رب، يتحول الاقتصاد إلى “اقتصاد البقاء”، حيث تسقط النظريات أمام سؤال الخبز والكرامة. لكن من رحم هذا الألم تبرز الحاجة إلى اقتصاد الوعي، الذي لا يرى في الدمار فرصة للمضاربة، بل نداءً لإعادة البناء على أسس أخلاقية، تحفظ للإنسان إنسانيته حتى في أحلك لحظات التاريخ.
إننا أمام منعطف تاريخي يتطلب صحوة ضمير جماعية تعيد للاقتصاد وجهه الإنساني، وتؤكد أن الأرقام وسائل، بينما الغايات هي كرامة الإنسان واستدامة الحياة.
فليكن هذا العدد بداية حوارٍ عن اقتصادٍ جديد، يكون فيه الإنسان الغاية، والقيم الوسيلة، والحكمة الدليل.
#ملف_الهدف_الاقتصادي #اقتصاد_الوعي #القيم_رأس_المال

Leave a Reply