حين وضعت امرأة عمران مولودتها، قالت في خشوع: “ربِّ إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى”، وكأنها تدرك أن المجتمع سيحكم عليها منذ اللحظة الأولى. هذه المقارنة القاسية ما زالت تعيش بيننا؛ فالعائلات تفرح بالذكر وكأنّه ضمان المستقبل، بينما قدوم الأنثى لا يزال يُستقبل في بعض البيوت بالخذلان.
لكن الإسلام، منذ أول يوم، قلب الموازين؛ ففي الحديث الصحيح قال النبي ﷺ: “من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كنّ له حجاباً من النار”، وفي رواية أخرى: “من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كنّ له ستراً من النار”. بل وفي خطبة الوداع الشهيرة، أفرد النبي مساحة واسعة لحقوق النساء، مؤكداً أن لهن من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات. أي رسالة أبلغ من أن كرامة المرأة من كرامة الأمة كلها؟
ومع ذلك، ظلت النظرة الدونية تطارد الأمهات عند إنجاب البنات. لكن الواقع قلب الطاولة: في الشهادة السودانية احتلت الطالبات المراتب الأولى لسنوات، وفي الجامعات والمستشفيات تقف الطبيبات والمهندسات شامخات. وعلى مستوى التاريخ الإنساني، لا يغيب عن الذاكرة أسماء مثل ماري كوري في العلم، أو فاطمة الفهرية مؤسسة أول جامعة في التاريخ، أو أنديرا غاندي وزعماء كثيرات حكمن دولاً. هؤلاء جميعاً يثبتن أن الأنثى ليست عالة، بل قادرة على منافسة الرجل، بل وتجاوزه في ميادين شتى.
إن المأساة ليست في ولادة الأنثى، بل في عقول ما زالت تحاكمها على جنسها. ولعل أقسى مثال أب ألقى بماء النار على زوجته وطفلته لأنها أنجبت بنتاً، فماتت الأم، وسُجن الأب، بينما الطفلة التي شوه وجهها صارت نموذجاً للإصرار والنجاح.
لقد آن الأوان أن نتجاوز عقدة “الولد هو السند”. فالمرأة اليوم تشارك في التعليم والطب والسياسة والكدح، بل في الشيلة والحرب والعيش المرّ، لتثبت أن البنت ليست خيبة، بل سنداً لا يقل عن أي ذكر.
فالأنثى ليست عبئاً، بل نعمة، ومن يظنها غير ذلك، فهو الذي يحمل الخيبة الحقيقية.

Leave a Reply