
سهل الطيب
#ملف_الهدف_الثقافي
في أثناء شغلي أيام الإيجازات المدرسية، المعلم بتاعنا اتكيف مني وخصّاني بشغل مقاولة خارج جدول اليوميات، وكان الشغل ردمية بتاعت حوش.. بس كان عندو شرط: أخلص الشغل في يوم واحد، وتاني يوم أواصل معاهو شغلي العادي في البياض.
اشتغلت لامن راسي وجعني، وقبضت مبلغ كويس من سيد البيت، ومعاهو حافز كمان.
جاي راجع البيت مع المغارب، وشفت السباعي الشفت سكران طينة وراقد في الخور.. كان راجع من بيت من بيوت الشراب، وشايل كيس خضارو، وأظنو زاد العيار شوية وغلبو المشي.. السباعي زول شرس ومفرط في البدانة، وأنا كنت نحيف وهلكان من شغل الردميات وداير متين أصل بيتنا أنجدع أنوم. حاجات كتيرة أقنعتني أتجاوزه وأمشي.. قلت مثلًا إنو حاياخد رقدتو ويواصل، وقلت يمكن معاهو ناس من الحلة مراقبين الموقف، وقلت إخواني الكبار ممكن يشاكلوني لو حاولت أصحيهو وافتعل معاي مشكلة.
مشيت أكركر كرعيني للبيت، وتاني يوم من الصباح جانا الخبر إنو السباعي الشفوت اتعرض لاعتداء عظيم من بعض الشفوت العابرين، وحاول يقاوم، وأصيب بكدمات وكسر في الساعد اليمين، وشق في الراس، وفقد سن واحدة.
لسة بتذكر إني بقيت زي ست إلهام بتاعت الروضة لما توقف الأطفال طابور ويخربو ليها الرصة في ثواني، وتاااني تحاول تستعدل الطابور، وبرضو الأطفال يتلموا على بعض بكل براءة.. أنا رصّيت كل الأسباب الخلتني أسيب السباعي وراي، ولقيتها أعذار طفلة ووهمية ما بتديني الثبات اللازم عشان أقيف قدام الزول دا وأعاين للوش الوارم واليد المكسورة والراس الملفوف بالشاش. جريت كتير من الحيل خلال خمسة وعشرين سنة، وما قدرت أتجاوز خذلاني للسباعي.. رغم إنو السباعي ما شافني لما عبرت بيهو وهو نايم، ورغم إني كنت بالنسبة ليهو أقل من مخلوق ممكن يتذكرو أو يلاحظ وجودو في الزمن داك، لكن برضو قاعد أتخيل إنو السباعي خلّى مكان السن المكسورة فارغ عشان يذكرني إني خذلتو في لحظة كان هو محتاج لي.. في لحظة إني كان ممكن أكلم الناس بوجود السباعي في مكان خطر.
لحدي الآن ومع مرور كل السنوات، وبرضو السباعي رافض يسد مكان السن الفارغ، كأنو عايز يشعرني بعار ارتكبتو قبل ما أكمل الـ15 عام من عمري.
حاجات بسيطة بتخليك كل ما تتقدم في العمر تحس وكأنك بتقضي في عقوبة لجريمة منسية في أدراج الذاكرة.
الخذلان هو الجريمة البشعة الممكن ترتكبها من غير ما تشعر وبأسباب واهية جدًا.. لكن حاتكون نفس الأسباب الحا تختها قدامك وتحصيها وتلمعها وتقيمها، ولكن رغم ذلك ما بتقدر تقنع نفسك بيها.
خذلان الزول، حتى لو ما بتعرفو، حاتكون جريمة بتكرر نفسها بنفسها وتكبر منها وفيها.. تكبر من غير سقاية ومن غير تطعيم ومن غير عناية.. تكبر جواك وتضايقك وتطلع روحك..
Leave a Reply