
مجدي علي
#ملف_الهدف_الثقافي
تسنيم طه، الكاتبة والمترجمة السودانية المولودة في شندي عام 1982، حملت منذ طفولتها في الكويت أثر الحرب والرحيل، لتجد في الكتابة وسيلتها لحفظ الذاكرة ومقاومة النسيان. منذ صباها، حوّلت الألم والحنين إلى نصوص حية، بدأت أولها عام 2007 بقصة قصيرة بالفرنسية في مسابقة للفرنكوفونية، فاتحةً جسرها نحو باريس التي صارت لاحقًا فضاءً لإبداعها.
مزجت تسنيم بين العربية والفرنسية، بين الخيال والواقع، فكتبت ونشرت نصوصًا قصصية وروايات تناولت الحرب والهجرة والحب والانكسارات الإنسانية، مستلهمةً من حضارات المدن وتجارب البشر. من أبرز أعمالها: “خلف الجسر” الفائزة بجائزة منف، “مخاض عسير” بجائزة تراجم، “صنعاء القاهرة الخرطوم”، “الدعامي التائه” الذي رصد الحرب السودانية، و”سهام أرتميس” المتوجة بجائزة فريد رمضان للرواية العربية.
دراستها للفرنسية بجامعة النيلين، ثم حصولها على ماجستير العلوم الإنسانية من جامعة كليرمون فيران، صقلت وعيها النقدي والأدبي، ورسخت مشروعها الإبداعي الذي يعبر عن الذات والهم الإنساني معًا. أسلوبها يتسم ببلاغة شعرية ولغة موسيقية، حيث يتقاطع الحوار مع السرد التأملي، ويُستثمر الفضاء الداخلي للشخصيات لرسم تجارب اجتماعية وإنسانية عميقة.
تعتبر تسنيم الكتابة فعل خلق لعوالم تتقاطع فيها الذاكرة والتاريخ والخيال، متنقلة بين الخرطوم وباريس والفاشر ودمشق والبندقية، ومؤسِّسة عبر مدونتها ومنصاتها فضاءً حواريًا يتجاوز الجغرافيا ليحمل صوت الأدب السوداني إلى العالم.
تسنيم تعمل اليوم في بعثة دبلوماسية عربية بباريس، لكنها تظل كاتبة ومترجمة ترى الأدب جسرًا بين الثقافات ووسيلة لإيصال الحقيقة الإنسانية. في شخصها يلتقي صوت الراوية والشاعرة والمترجمة، لتمنح القارئ نصوصًا تنبض بالحب والألم والتأمل، وتظل شاهدة على هوية تتشكل بين شندي وباريس، بين دفاتر الطفولة وصفحات النشر.
إلى جانب الكتابة والترجمة، تنخرط تسنيم طه في ورش وحلقات أدبية، تشارك من خلالها تجاربها مع الجيل الجديد من الكتّاب. وهي ترى أن الأدب ليس ترفًا، بل مسؤولية في مواجهة النسيان الجماعي، ومساحة لتوثيق ما لا تقوله السياسة ولا تنقله الأخبار. كما أنها تعمل على مشروع لترجمة نصوص من الأدب السوداني إلى الفرنسية، سعيًا لإيصال أصوات الهامش إلى العالم. وتؤكد دائمًا أن الإبداع فعل مقاومة ضد القطيعة والانكسار، وأن الكتابة بالنسبة لها وطن بديل، يسع الذاكرة والحنين، ويعيد رسم الخرائط الممزقة.
وتظل تجربتها الأدبية شاهدة على جيل يبحث عن ذاته في زمن التحولات الكبرى، جيل يكتب بوعي الاغتراب والانتماء في آن. وبأسلوبها المتفرد، تسعى تسنيم إلى جعل الأدب السوداني جزءًا من المشهد العالمي، نافذةً مفتوحة على الهمّ الإنساني العابر للحدود
Leave a Reply