
محمد الأمين أبو زيد
#ملف_الهدف_الثقافي
يعتبر هذا الموضوع، الذي يتناوله المقال المقتضب، من القضايا الفكرية التي تناولها كثير من المفكرين في سياق العلاقة بين الثقافة والسياسة، وبين السلطة والمعرفة. سنقف هنا في حدود معرفة من هو المثقف السياسي والسياسي المثقف، والتمييز بينهما.
المثقف السياسي
المثقف السياسي هو المثقف المهتم بالشأن السياسي والمتعاطي معه من موقعه كمثقف، أي أنه لا يمارس السياسة من موقع الالتزام الحزبي أو الاحتراف الثوري، بل يتخذ موقفًا نقديًا أو توجيهيًا من السياسة نابعًا من وعيه الثقافي ورؤيته الفكرية العامة.
من خصائص المثقف السياسي أنه:
- يقرأ الواقع بعين الناقد والمفكر، وربما استخدم مناهج النقد في ذلك.
- لا يسعى إلى السلطة، أي لا طموح سياسي له، لكنه يهدف إلى التأثير على الرأي العام.
- قد ينخرط في مواجهة السلطة أحيانًا من خلال وقوفه ضد الظلم والتضليل والتسلط والقهر.
- يطرح الأسئلة ولا يكتفي بالإجابات الجاهزة، وله موقف أخلاقي من القضايا العامة.
- قد تنسجم مواقفه مع تيار سياسي، وقد تعبر عن اتجاه وطني عام.
السياسي المثقف
السياسي المثقف هو السياسي الذي يمتلك خلفية ثقافية قوية وربما متخصصة، ويتعامل مع الشأن السياسي من موقع الوعي والمعرفة والالتزام الفكري والسياسي، وأحيانًا الاحتراف، وليس من موقع البراغماتية.
من خصائص السياسي المثقف:
- يستخدم معرفته ووعيه في اتخاذ مواقف وقرارات سياسية ذات بعد إنساني.
- يهتم بالشأن الثقافي ويتفاعل مع المفكرين والمثقفين، ولا يرى الثقافة تهديدًا بل حليفًا في بناء المجتمع.
- يمتلك مشروعًا فكريًا وسياسيًا للنهضة والتغيير، يعمل له بكل طاقته ويناضل مع الشعب لتبنيه.
- يلتزم بمنهج فكري لتحليل الواقع يحدد به مواقفه السياسية، ويعمل في إطار جماعي.
العلاقة بين الثقافة والسياسة
موضوع الثقافة والسياسة والسلطة والمعرفة يفتح بابًا لنقاشات وجدل فلسفي وتاريخي كبير، مرتبط بسؤال: كيف يُبنى الوعي الجمعي أو يُقيّد؟
العلاقة بين الثقافة والسياسة علاقة جدلية: فالثقافة تنتج الوعي، والسياسة تُدير الواقع؛ الثقافة تسعى للتحرر والتنوير، والسياسة تسعى إلى الضبط والتنظيم. فالعلاقة تكاملية، حيث يمثل المثقف ضمير الأمة، والسياسي يمثل إرادتها الجمعية والتنفيذية.
المثقف إذا تحالف مع السلطة بشكل أعمى قد يتحول إلى مبرر للاستبداد (مثقف سلطوي)، كما نلاحظ ذلك في واقعنا السوداني، لا سيما في ظل الحرب المشتعلة. وإذا ابتعد عن الواقع السياسي كليًا، سيفقد تأثيره الاجتماعي وقاعدته الشعبية ويبتعد عن خاصية المثقف العضوي.
حين يغيب المثقف السياسي، تغيب الرقابة الفكرية على السياسات، وحين يغيب السياسي المثقف، يسود الجهل والانتهازية. العلاقة بينهما يجب أن تكون علاقة تكامل لا صراع لبناء مجتمع أكثر وعيًا وعدلًا ومعرفة.
إن وجود ثقافة حرة ومعرفة مستقلة شرط ضروري لمحاسبة السلطة والتنوير السياسي، وبدونهما سنحصد الاستبداد.
Leave a Reply