ميشال عفلق، الفكر والسياسة

صحيفة الهدف

#الهدف_خاص

بدعوة من فرع المناضل محمد حرب في حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي بالاشتراك مع اللجنة الثقافية في المؤسسة الوطنية الاجتماعية، تم في مركز المؤسسة في بعلبك  تنظيم ندوة حوارية تناول فيها الدكتور عبده شحيتلي فكر ميشيل عفلق وتجربته السياسية .

قدم للندوة وأدارها عضو قيادة الفرع الدكتور مصطفى الرفاعي فرحب بالحضور الحزبي والشعبي والشبابي ومما جاء في التقديم :نلتقي في هذا اللقاء، الذي يتمحور حول شخصية فذة كان لها دور كبير ومتميز في صناعة تاريخ القومية العربية هو الأستاذ عفلق، الذي وضع أسسًا للفكر القومي العربي، وكان له دور كبير في تشكيل الوعي الوطني والقومي في الوطن العربي، وكان رمزًا للنضال العربي من أجل الوحدة والتقدم ؛فالقومية عنده تجسد تطلعات الشعب العربي نحو الحرية والتطور .وستستمر أفكاره بالتأثير على الأجيال القادمة من المفكرين والمثقفين والسياسيين سعياً نحو الوحدة والنهوض بالمجتمع العربي.

نلتقي اليوم لنضيء على جوانب من فكر القائد المؤسس لحزب البعث العربي الاشتراكي في قراءة للرفيق الدكتور عبده شحيتلي عضو القيادة القطرية لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي فليتفضل مشكورًا.

في بداية حديثه ميز الدكتور شحيتلي بين أصناف المفكرين والمثقفين العرب مبينًا أهمية المفكر الأكاديمي على المستوى الثقافي وإنتاج المعرفة، خاصة من كان منهم من أصحاب المشاريع الفكرية . وميز بين هؤلاء المفكرين وأولئك، الذي كان الفكر والتجربة السياسية متلازمين عندهم إلى الحد، الذي يجعل الفصل بين فكرهم والتجربة السياسية متعذرًا إن لم نقل مستحيلًا. الأستاذ عفلق من هؤلاء، الذين تلازم الفكر والنضال مع حسهم العالي بمعاناة المجتمع والأمة، فكانت سيرة حياتهم بأكملها سفرًا فكريًا نضاليًا تجسد في التاريخ العربي وترك أثرًا كبيرًا في السياسة والتاريخ العربي المعاصر.

استند المحاضر إلى قول عفلق في مقابلة أجراها معه الشاعر بدر شاكر السياب في بغداد عام 1958 : “كان الفكر وما يزال يحتل مركزًا كبيرًا عندي، ولكن عملي القومي خلال السنوات الخمسة عشر وقبلها، لم يكن عملًا فكريًا وإنما خلق حركة للفكرفيها مكان أساسي “، ليستنتج منه أن عفلق في هذا القول يؤكد أن العمل كان بالنسبة له أهم من تكوين فلسفة، وأن الإشارة إلى الفترة، التي مر عليها خمسة عشر عامًا تعيدنا إلى بداية أربعينيات القرن الماضي وتحديدًا إلى العام 1943 حيث باتت أسس فكر عفلق القومي على درجة كافية من التبلور عبّر عنها في محاضرة ذكرى الرسول العربي، التي ألقاها على منبر الجامعة السورية في نيسان من هذا العام، والبيان الانتخابي، الذي ورد فيه الشعار، الذي سيصبح شعار البعث، الذي يقول عفلق أنه يعبر عن فكرته الأساسية .                                         بعد أن توقف المحاضر عند المراحل، التي سبقت هذه الفترة منذ نشأة عفلق وتفتح وعيه الوطني في مدرسة التجهيز في دمشق، إلى ترسخ إيمانه بالقومية العربية أثناء الدراسة في السوربون بعد التقائه بالطلاب العرب خاصة من المغرب العربي وانتسابه للعديد من الجمعيات الثقافية والسياسية العربية. ثم عودته مع رفيقه صلاح الدين البيطار والتجربة الفكرية والسياسية والصحافية بعد تعيينهما مدرسين في مدرسة التجهيز، التي تخرجوا منها، وكتاباته الأدبية والسياسية في مجلة الطليعة، التي اشترك بها مع الشيوعيين قبل الافتراق عنهم، وصولًا إلى بداية الأربعينيات حيث أسس مع البيطار والعشرات ممن تفاعلوا معهما في هذه المرحلة حركة الإحياء العربي، ثم حركة نصرة العراق، قبل إطلاق حركة البعث العربي ابتداءً من العام 1943، والتقدم بطلب ترخيص لهذا الحزب ثلاث مرات دون أن يقبل عام 1945 ، وإصدار جريدة البعث عام 1946 وصولًا إلى المؤتمر التأسيسي، الذي عقد في بهو مقهى الرشيد الصيفي في دمشق يوم الجمعة في 4نيسان واستمر إلى يوم الأحد في 6 نيسان عام 1947 وانتخب فيه عفلق عميدًا للحزب، وأُقِر فيه دستور الحزب، الذي يشكل واحدة من أهم الوثائق الفكرية للبعث .هذا الدستور، الذي عرضه عفلق في الجلسة الثانية، التي عقدت في اليوم الثاني من أيام المؤتمر التأسيسي و” بيّن فيه المراحل، التي مر بها وضع دستور الحزب والأسس الفلسفية والقومية، التي قام عليها” ( نضال البعث ، ج4 ، ص 17 ).

وقد توقف المحاضر عند تكامل هذه الوثائق الفكرية الهامة. فإذا كان عفلق، في محاضرة ذكرى الرسول العربي، قد شرح علاقة الحاضر العربي بالماضي وضرورة الاستناد إلى فهم جديد للعلاقة العضوية بين العروبة والإسلام بهدف تجدد العروبة وتكاملها، فقد جاءت مواد الدستور لكي تبين بوضوح تبني البعث لكل مفاهيم الدولة المدنية، التي تندرج في إطار العلمانية السياسية والدستورية التي تكمل الاتجاه الإيماني والبعد الثقافي والحضاري للإسلام، الذي بيّنه عفلق ودعا كل العرب على اختلاف اتجاهاتم الإيمانية لاعتباره أثمن شيء في عروبتهم.

بعد ذلك عرض المحاضر بشيء من الإسهاب كيف انطلق عفلق من فهمه الجديد للقومية، التي يقول عفلق إن فكرته عنه تكونت لديه بعد التعمق في مطالعاته ” على مستوى إنساني لا مستوى قومي خاص ” ( في سبيل البعث ، ج5، ص33 ) . مؤكدًا بذلك أنها خير طريق  للإنسانية الصحيحة عند مختلف الشعوب، باعتبارها ” التربة، التي تنمو فيها مواهب أمة من الأمم “. وانطلاقًا من فلسفته المتأسسة على اكتشاف حقيقة القومية الإنسانية حاول              ” اكتشاف الحقيقة القومية العربية وإعطاء هذه الحقيقة مكانتها المشروعة بين الحقائق الإنسانية الخالدة “. (م.ن ، ص 33 ).

إن الإنسانية، كما يرى عفلق “ليست وضعًا اجتماعيًا أو سياسيًا يمكن أن يتحقق ماديًا في التاريخ، بل هي روح واتجاه ومُثُلٌ تنبث في تكوين الشعوب والأمم، وتكوّن حضارتها، وتوجه سلوكها وأخلاقها، فالإنسانية مرادفة للقومية وليست لاحقة لها”( م. ن ، ص 24 ).    

إن القومية حقيقة حية لا يمكن تجاهلها أو اعتبارها قابلة للتلاشي تبعًا لتبدل الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية. والفهم الإيجابي للقومية يقود إلى اكتشاف أنها ” هذا المستوى الناضج، الذي بلغته المجموعات البشرية نتيجة تفاعل قرون طويلة بين أفرادها وبينّت الظروف الطبيعية والتاريخية، التي مرت بها، التي نسجت في ما بينها روابط مادية وروحية مشتركة أهمها رابطة الثقافة ” ( م.ن ، ص 25 ).

هذه القومية كمايؤكد عفلق ليست نظربة، ولكنها مبعث النظريات. هذه الفلسفة القومية بنى عليها عفلق مرتكزات نظرية البعث القائمة على ثالوث الوحدة والحرية والاشتراكية .

هذه المرتكزات يمكن اختصارها بالأتي :

– فكر البعث هو فكر النهضة العربية الأصيلة والجذرية، وهو فكر قومي إنساني بعيد عن كل أثر للتعصب والعنصرية والطائفية، وكل ما يحط من كرامة الإنسان ويعوق انطلاق مواهبه.

– فكر البعث هو الفكر الحضاري المشبع بروح الإسلام الثوري البعيد عن الجمود والتقليد، فنحن كعرب ينبغي أن نمتلك ماضينا ونفخر بالمحطات المضيئة في تراثنا والرسالة الحضارية، التي حملها للإنسانية، دون أن نسمح لهذا الماضي بامتلاك حاضرنا وأسرنا في الجمود والتقليد .والإيمان بالصلة العضوية بين العروبة والإسلام دون التفرط بالمحتوى التحرري والنقدي لمفهوم الثورة العربية، مع التأكيد بشكل واضح وحاسم على قومية الأمة وأنها الأساس والشرط لفهم علاقة العروبة بالإسلام.

– رفض الإلحاد وعدم الحياد بين الإلحاد والإيمان مع التأكيد على علمانية الدولة، فالعلمانية السياسية والدستورية، التي يطلبها البعث للدولة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون ضد الإيمان  وخيارات الأفراد الدينية، ولكنها تقع على النقيض من دعوة الحركات الدينية السياسية، التي تستخدم الدين لأهداف بعيدة عن مراميه الإنسانية السامية وترْدي به في مهاوي الصراع على السلطة.

– الربط بين القومية والاشتراكية وتأكيد مفهوم الاشتراكية العربية من خلال ربط القضية القومية بمصلحة الجماهير والتأكيد على  الارتباط الوثيق بين الصراع الطبقي والصراع القومي، والنضال من أجل منع الاستغلال والتنمية واستثمار الثروات الوطنية والعدالة الاجتماعية في إطار دولة رعاية اجتماعية.

– التأكيد على الحريات السياسية بأبعادها الفردية والاجتماعية، والربط بين حرية الفرد وحرية الأمة.

– التأكيد على العقلانية في التفكير، والابتعاد عن التفكير الأسطوري أو ً الذي يستند إلى مرجعية لا تتفق مع العقل وأساليب الاستدلال الاستنتاجية أو الاستقرائية  المبنية على البديهيات، التي لا تقبل النقاش أو القراءة العلمية في الواقع الحي للأمة.

وبالانتقال إلى التجربة السياسية للأستاذ عفلق، بيّن المحاضر مدى أمانته والتزامه الصارم في تحويل الأفكار والمبادىء إلى أفعال تاريخية، ومواجهة مختلف أنواع الصعاب من السجن إلى التهجير ومواجهة خطر الإعدام من سلطات مرتهنة وخاضعة للقوى الاستعمارية يحركها شبق السلطة من الديكتاتوريات العسكرية قبل وصول الحزب إلى السلطة، إلى محاربة ” المنحرفين” من الحزبيين، الذين وضعوا سعيهم للمصلحة الشخصية والواقع السلوطية فوق الالتزام الحزبي والمصلحة الوطنية والقومية .إضافة إلى الحس النقدي والشجاعة في مراجعة المواقف والأخطاء . ترافق كل ذلك مع سلوك شخصي فيه الكثير من الترفع والبعد عن المكاسب والمصالح الشخصية. وكذلك الرؤيوية واستشراف المستقبل والشجاعة في إعلان الموقف . لذلك كانت تجربته حافلة بالعديد من محطات الاعتبار والاقتداء، التي تلهم وتستدعي النقد الايجابي في قراءة محطاتها والبناء عليها.

ندوة بعلبك بتاريخ 21-9-2025

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.