أعرف بلدك جبال مرة الحلقة (12

صحيفة الهدف

الأستاذ شمس الدين أحمد صالح

ذكرنا في الحلقة الماضية أن هنالك عدة أسباب قد عطلت استثمار السياحة في جبل مرة، منها عدم معرفة قيمة مواردنا، مما ساهم في ضياع فرص التنمية في المنطقة والسودان. في ستينيات وسبعينيات، حتى أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، وقبل ظهور النهب المسلح كان السواح الأوروبيون يأتون بكثرة إلى جبال مرة حاملين كاميراتهم ويلتقطون صورًا للمناظر الطبيعة الجميلة من شلالات وأطلال وينابيع المياه، ويجمعون الحجارة الكريمة ذات الألوان الزاهية دون أن يسألهم  أحد، ويقال أن الصور الملتقطة بواسطة هؤلاء بعد عودتهم إلى أوربا، يتعاقدون مع شركات الطباعة لعمل لوحات تباع في الأسواق بمبالغ طائلة دون أن ندرك نحن ذلك، بل هناك قصة طريفة جدًا، حزينة في نفس الوقت؛ الشركة التي نفذت طريق نيالا- كاس- زالنجي، هي شركة (هيلد أند فرانك) الألمانية، بعد التعاقد ومع عمل المسوحات الأولية وجدت الشركة أنها محتاجة لآلاف الأطنان من الأسمنت والخرسانات للكباري، لأن المنطقة تتخللها وديان عديدة، فوجدت أن هناك حجارة يمكن أن تصنع منها الأسمنت بكلفة أقل من شرائها خارج السودان ونقلها، فذهبت إدارة الشركة إلى عاصمة الإقليم وقابلت وزير شؤون الخدمات في الحكومة الإقليمية وحكت له الموضوع، أنهم وجدوا الحجارة، التي يمكن أن يصنعوا منها الأسمنت لبناء الكباري وكذلك الخرسانات اللازمة لذلك الغرض، فكم ستدفع الشركة للحكومة مقابل ذلك؟ فبكل بساطة رد الوزير كان: “في البلد ده زول داير حجر مافي فأفعلوا ماتشاءون”. فبعد الانتهاء من الطريق، حاولت الشركة أن ترد الجميل وفكرت أن تسفلت كل طرق مدينة نيالا، التي كانت مقرًا للشركة، فذهبت الشركة إلى المرحوم عمنا اتيم محمد سلامة طيب الله ثراه، طلبت منه مبلغ 600 جنيه فقط مقابل سفلتة جميع طرق مدينة نيالا بباقي المواد والآليات والمبلغ المطلوب وهو ستمائة جنيه فقط أجور عمال اليومية، إلا أن عمنا اتيم افتكر أن المبلغ كبير رغم توفره في الخزينة، وفي النهاية الشركة نفذت كبري مكة، الذي يربط بين شمال مدينة نيالا وجنوبها، وهو الكبري، الذي ظهر فيه حميدتي ونائبه عبد العزيز الحلو يوم أداء القسم في حكومتهم. سماه بكبري مكة الرئيس نميري عندما جاء لافتتاحه في 1983م أيام صدور قوانين سبتمبر المستبدة والمغطاة بالدين.

ووعورة الطرق هي العامل الآخر، الذي يمنع الاستثمار السياحي في جبال مرة، فالطريق الوحيد، الذي تم تعبيده، هو الطريق، الذي يمر بالجزء الجنوبي الغربي من الجبال، هذا الطريق، الذي تم تشييده بين عامي 1980م- 1983م في عهد المرحوم السيد أحمد إبراهيم دريج طيب الله ثراه، عندما كان حاكمًا لإقليم دارفور، الذي جاء بعد انتفاضة عارمة عمت عواصم مديريات إقليم دارفور ورفض قرار رئيس الجمهورية جعفر نميرى، بتعيين الطيب المرضي من خارج الإقليم، بينما عين للأقاليم الأخرى الخمسة حكامًا من أبنائها (الإقليم الشمالي، الشرقي، الأوسط، كردفان، الإقليم الجنوبي)، والسيد دريج لم يتم ولايته، 4 سنوات، وخرج غاضبًا في نهاية عام 1984م إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية بعد خلاف مع جعفر نميري ومن حوله في القصر الجمهوري بسبب المجاعة، التي ضربت أرجاء الإقليم  ومنع نميري إعلان إقليم دارفور منطقة كوارث طبيعية، وبعدها أدت إلى موت أعداد كبيرة من مواطني الإقليم، وكان أحد الأسباب التي أدت إلى تعجيل انتفاضة مارس- إبريل، التي أطاحت بالرئيس جعفر نميري. إلا أن طريق نيالا – زالنجي حدث فيه إهمال كبير يتمثل في عدم الصيانة الدورية. وفي 1992م من نرتتي حتى زالنجي، مشت فوقه دبابات أبو جنزير، إبّان تمرد داوود بولاد وخربت الطريق بشكل فظيع، حيث كانت السيارات بعد افتتاح الطريق في أواسط عام 1983، يستغرق ثلاث ساعات من زالنجي إلى نيالا وأقل (مئتان وعشرة كيلومترات) فقط، أصبح الآن يستغرق ست ساعات، خاصة من نرتتي إلى زالنجي، أما من نرتتي إلى نيالا، تمت صيانته قبيل حرب 15 أبريل العبثية بواسطة شركة الجنيد.

نواصل.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.