أمة عربية واحدة
ذات رسالة خالدة
بيان قيادة قطر العراق
الذكرى الخامسة والأربعين للرد العراقي الحازم على العــدوان الإيراني
يا أبناء شعبنا العظيم أيها العراقيون الأماجد
أيها المناضلون البعثيون الأشاوس:
في مثل هذا اليوم، أي الثاني والعشرين من أيلول1980، بدأ العراق صفحة جديدة من الدفاع عن سيادته الوطنية ووحدة أراضيه وسلامة مواطنيه، بعد أن حافظ على حالة دفاع ساكن، ظل متمسكًا بها زمنًا طويلاً، انطلاقًا من مبدأ حسن الجوار مع الجميع، ونبذ مبدأ اللجوء إلى القـوة في حل المـنـازعات الإقليمية والدولية، لكن ذلك الموقف كان يساءُ فهمه من قبل إيران، منذ أن وُجدت فارس على جانب الحدود الشرقية للعراق.
فبعد أن سُـدت كل الطرق أمام محاولات العراق، لفتح صفحة جديدة مع إيران، وتجنب الدخول في نــزاع معها؛ فقد أصرت على سياسة العــداء للعراق، وعلى الضد من دعوات الصداقة واليد المفتوحة للنظام الإيراني الجديد الذي أوصل الخميني للسلطة، والذي باشر منذ أول وصوله إلى السلطة، سياسةً استفـزازيةً وتصريحات عـدائية بصوت عالٍ، وخاصة عن اعتبار اتفاقية عام 1975 بحكم الملغاة، لأنها موقعة بين نظامين طاغـوتيين على حد وصفها.
وهذا النمط من السلوك العــدواني الأهـوج من قبل إيران على مر تاريخ العلاقات بين الطرفين، منذ توقيع أول اتفاقية بين الطرفين وهي اتفاقية أماسية عام 1555، وحتى توقيع اتفاقية الجزائر لعام، 1975، مما أوصل عددها إلى نحوٍ من 30 اتفاقيةً وبرتوكولاً، هذا السلوك الذي يتلخص بتوقيع أي اتفاقية متاحة لها، ثم أخذ المنافع التي تكسبها منها، ولتبدأ بعد ذلك بإثارة المـشاكل مع العراق، فتُلغي ما وقعّت عليه، ثم تبدأ بالبحث عن مكاسب جديدة، وتهيء لها المسرح بإثارة الأزمـات السياسية والأمنية على طرفي الحدود.
وهكذا تقلبت العلاقات بين العراق وبلاد فارس التي تحوّل اسمها إلى إيران في 21 اذار عام 1935، بين فترات قصيرة من سلام ملتبس ونـزاعات دائمة، ولكن المواقف العـدائية للنظام الإيراني الجديد تجاه العراق سارت بأعلى وتائرها، ومن سيء إلى أسوأ، فانتقلت من مجال التصريحات الصحفية والأحاديث الإعلامية، إلى اسـتفزازات عسكرية على طول الحدود بين البلدين وتهـديد الملاحة الجوية والبحرية بمـخاطر جمة، وباشرت إيران بقــصف المدن الحدودية وتعريض سكانها لخطر المـوت أو الرحيل عنها.
إزاء هذه التطورات، كان لابد لقيادة الحزب والثورة، أن تنهض بواجبها الوطني والأخلاقي في الدفـاع عن السيادة الوطنية واستقلال البلاد وأمن المواطن، فانطلقت في مثل هذا اليوم عشرات الطائرات المـقاتلة والقـاصفة وقاذفـات القنـابل، لتـدك مواضع العـدو وقواعده الجوية، من أجل إيصال رسالة لا تقبل التأويل، أن مـواجـهة العراق هي أسوأ خيار ذهبت إليه الزعامة الجديدة، فقد ظنت أنها قادرة على قـهر إرادة العراقيين، وحسم المـعركة استنادًا إلى مقارنات ساذجة بين عدد السكان الذي يميل لصالح إيران بأكثر من الضعفين، وكذلك المساحة الجغرافية التي اعتقدت أنها تعطيها عمقَا استراتيجيًا، وأهملت تلك الزعامة بجهلها المعهود، أن حـروب اليوم ما عادت تركز على ذات المقاييس التي كانت معتمدة قبل قرون عدة.
وفي اليوم التالي ومن أجل إبعاد المدن العراقية عن متناول مـدفعية العـدو؛ كان لا بد من تنفيذ الصفحة الثانية من العمـلية العسـكرية الواسعة، ففي الثالث والعشرين من أيلول 1980، انطلقت جـحافل الجيش العراقي البرية لتـدك حصونه الواحد تلو الآخر، ولتصل إلى ما يقرب من تسعين كيلومترًا عن خط الحدود الدولية الفاصل بين البلدين، وكانت القيادة السياسية والعسكرية العراقية تؤكد مراراً وتكراراً أن الهدف من هذه المـعركة، هو إرساء علاقات البلدين على قاعدة راسخة من التكافؤ، وتجبر إيران على احترام سيادة العراق على أراضيه وعدم التدخل في الشؤون الداخلية له، والتزامها بتعهداتها وما وقعته من مواثيق دولية، والتوقف النهائي عن إثارة الأزمـات بين البلدين.
وكان العراق قد أعلن أكثر من مرة وبشتى الوسائل، أنه يتجنّب خيار الحـرب أو التلويح بها، مع إيران أو أي من جيرانه، لكن حكام طهران الذين سيطرت على عقولهم المريضة فكرة أنهم عندما أسقطوا حكم الشاه في أقل من سنة، فإنهم قادرون على تكرار هذه الصفحة مع العراق، الذي يحتل في المخيلة الإيرانية حلماً جـموحاً بالتوسـع والهـيمنة على المنطقة، ولكنه السد المنيع الذي يحول بينهم وبين الانتشار في الوطن العربي، فبدأوا التصـعيد السياسي والإعلامي على ألسنةِ كثير ٍمن مسؤولين طارئين على عالم السياسة، عديمي الخبرة في حكم بلد بحجم إيران، فتعددت منابر التحـريض على العراق بالـغـزو وإسـقاط نظامه الوطني تارة، وتهـديده بإثارة الأزمـات الداخلية تارة أخرى، ولم يتوقف الأمر على تلك المنابر التي احترفت خطاب التحـريض الطـائفي الذي كان له الدور الأسوأ في تمـزيق الأمة منذ صعود الصفويين إلى الحكم في بلاد فارس عام 1500، بل وصل الأمر حدّ أن وزير الخارجية، الذي يفترض به أن يمثل الوجه الناعم لأي نظام في العالم، أن يدخل في مسرحية المزايدات السياسية، ومنه انتقلت إلى رئيس الجمهورية، الذي كان يجب عليه أن ينظر بعين العقل والمسؤولية، إلى مصالح بلاده التي تتلخص بإشاعة روح التعاون الإقليمي، ولا سيما بين بلاده والعراق، لكنه في لحظة فقدان التوازن، ركب موجة الخيلاء والتـطرف فـهدد قائلاً “إن القوات الإيرانية إذا صدرت لها الأوامر بالتقدم في الأراضي العراقية، فلن يستطيع أحد وقف زحـفها حتى تصل إلى مدينة الرطبة غرب العراق”.
بكل تأكيد كان على العراق أن يتعاطى مع هذه التصريحات المشبعة بروح الكـراهـية والغـطرسة، بما يناسبها من الاستعداد للتعامل مع أسوأ الاحتمالات، ذلك أن تاريخ العلاقات العراقية الإيرانية يذخر بكل موروث مما يجعل الاستعداد هو الخيار الأفضل.
لقد كان العقل السياسي العراقي يعي جيدًا أن عجلة الحـرب عندما تدور، فإن أحدًا لن يستطيع التكهن بالمديات التي يمكن أن تصلها، ولهذا فإن الرد العراقي بقدر ما جاء مدروسًا بحجمه ونوعيته، فإنه أراد إيصال رسالة للزعامة الإيرانية بأن اللعب بالنـار لن يكون في صالحها.
وما كادت العمليات العسكرية الكبرى تنطلق في ساحات المعـركة، وتتقد نيـران الحـرب بين البلدين، إلا وباشرت الأسرة الدولية مساعيها للبحث عن حلول تُرضي الطرفين، فحاول مجلس الأمن الدولي تدارك الوضع الخـطير في أكثر مناطق العالم تقبلاً للاشتـعال والتأثير على الاقتصاد الدولي، وخاصة في انسيابية إمدادات النفط، فبعد أسبوع من بدء العمليات الحـربية بين البلدين، أصدر المجلس أول قراراته بشأن الحـرب، وهو القرار المرقم 479 والذي دعا كلاً من إيران والعراق إلى وقف استخدام القـوة، وتسوية النـزاع من خلال المفاوضات، فوافق العراق عليه يوم صدوره انطلاقًا من شعور عال بالمسؤولية الأخلاقية واحترام القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، في حين رفضته إيران وقالت إنها “ستواصل القـتال حتى إسـقاط النظام العراقي وبآخر جندي إيراني”.
ولكن العالم لم يصب باليأس من إمكانية وقف الحـرب، فتشكلت لجنة المساعي الحميدة برئاسة الرئيس الغيني حينذاك أحمد سيكوتوري، إذ زارت بغداد في آذار 1981، ولكن هذه اللجنة وجدت أن المفاوض العراقي يستمع إليه باهتمام وإصغاء شديدين، في حين أنها وجدت أبواب طهران الرسمية مؤصدة ولم تقابل باحترام، وهكذا ركبت طهران عربة العناد غير المستند على أرضية صلبة، فكانت الزعامة الإيرانية سببًا في إطالة أمد الحـرب لثماني سنوات، حتى عام 1988 استنادًا إلى قرار مجلس الأمن الدولي 598 الذي وافق عليه العراق، ولم توافق إيران عليه إلا مرغمة بعد سنة من صدوره أي بعد أن تغيرت موازين الحـرب على طول الجبهات لصالح العراق بصورة حاسمة.
لو أن إيران تحلّت بالحكمة السياسية وبُعدِ النظر الدبلوماسي من البداية، لما تعمدت إطالة أمد الحـرب استنادًا إلى أوهام امبراطورية وأساطير بالية، حــربٍ تكبد فيها البلدان خـسائر فادحة في الأرواح والمعدات والممتلكات، ولم تركن إلى الحل السلمي إلا بعد أن تجرعت قيادته السياسية جيشها وحرسها الثوري وبسيجها، كأس السـم هي ومن تطوع للقـتال معها من خـونة الوطن من الأطراف التي سلطها الاحتـلال على رقاب العراقيين منذ 2003.
لقد أخرّ العراقيون ببسالتهم وشجاعتهم، المشروعَ الإيرانيَ من بسطِ هـيمنته والتـوسع على حساب الوطن العربي، لحوالي ربع قرن من الزمان، ولولا تضـحيات العراقيين لكانت إيران قد ابتلعت أرض العرب كلها، منذ سنة 1979، وتحت شعارات زائفة وأساطير خرافية، ولا تجد صداها إلا في عيون المغـفلين والسـذج من أبناء الأمة الذين انطلت عليهم الشعارات الإيرانية البـلهاء المعدة للتصدير وليس للتطبيق في الداخل.
لقد أكد العراقيون وطيلة ثمانية أعوام من المـنازلة المقدسة في دفاعهم عن وطنهم وقيمهم، أن ما يعجز القانون الدولي عن فرضه بالتفاوض، فإن القـوة وحدها هي القادرة على فرض نفسها، على بلد معروف عنه أنه لا يخـضع لمنطق الحوار، بل لا بد من استخدام القوة لتعريفه بحدوده التي يجب عليه أن يتوقف عندها، وأن للتاريخ حضوره في هذه المعادلة.
تحية للقيادة السياسية للحزب والثورة التي نهضت بأعباء المـعركة من أول ساعاتها حتى آخر دقيقة بردت المـدافع فيها، وعلى رأسها الرئيس الشـهيد صدام حسين.
تحية لأبطال القـادسـية ممن خاضوها بصورة مباشرة أو من وراء الخطوط الأمامية، في إسناد جبهات الحـرب بكل مستلزمات النصر، والرحمة والغفران لأرواح شـهداء القادسية الأبطال.
تحية لأسر المقـاتلين البواسل الذين بدعمهم وإسنادهم لصمود أبنائهم في جـبهات النـار صنعوا النصر فدفعوا ثمنَا باهظًا من الثبات والصبر على المـكاره.
تحية للقيادات العسكرية التي احتـلت مكانتها في سجل قيادات أعظم قادة الحـروب في العصر الحديث.
قيادة قطر العراق
لحزب البعث العربي الاشتراكي
بغداد الرشيد
22 أيلول 2025

Leave a Reply