كتب الدكتور الدرديرى محمد احمد القيادى الاسلامى ووزير الخارجية الاسبق مقالا حول بيان الرباعية الاخير بشأن الحرب فى السودان مفندا ماجاء فيه وفق خط الاسلاميين وتصورهم وسردياتهم حول الحرب وسأناقش المقال من خلال نقاط محددة وهى محاولة لاستثارة العقل بدلا عن التسطيح والتضليل الذى لازم سرديات التيار الذى يمثله الدرديرى.
اولا: عنوان المقال الرباعية: الدعوة الى انتقال بلامنتصرين!!
بدءا من العنوان تكمن المفارقة والتضليل حيث يرى الدرديرى الانتقال كنتيجة مباشرة للحرب متناسيا ان الحرب هى مرحلة من مراحل استهداف الانتقال المدنى الديمقراطى الذى افترعته ثورة ديسمبر كان طرفا الحرب جزءا منه حيث بدأ بفض الاعتصام والانقلاب واخيرا الحرب.
من المسلم به ان هناك فترة انتقالية محكومة بوثيقة دستورية حاكمة وافق عليها طرفا الحرب واقسما على حمايتها والتمسك بها فمن الذى خان الوثيقة وانقلب عليها؟ انهما طرفا الحرب نفسيهما وبمساندة ودعم الحركة الإسلامية وعندما تناقضت مصالحهما بشأن المؤامرة دفعت الحركة الإسلامية باشعال الحرب ووضع القوات المسلحة فى الامر الواقع بدفع من عناصرها.
ان ايقاف الحرب هو المدخل لاستعادة الانتقال الديمقراطى وليست الحرب ومخرجاتها هى من يقرر شكل الانتقال الديمقراطى لان الحرب لم تقم من اجل الانتقال الديمقراطى بل هى فى جوهرها مؤامرة لاستعادة التسلط والديكتاتورية وهذا شواهده لايتسع المقال لذكرها.
يناقش مقال الدرديرى نقطة جوهرية فى بيان الرباعية تقول(ان عملية الانتقال غير خاضعة لسيطرة اى طرف متحارب) يتجاوز مقال الدرديرى حقيقة جوهرية يعرفها كل العالم وكل السودانيين بان ماحدث فى 25اكتوبر هو انقلاب على الفترة الانتقالية وعلى الوثيقة الدستورية، لكن سيادة الدكتور يتجاوز هذه الحقيقة ويسميها اجراءات اكتوبر فى مفارقة للضمير والعلمية ومحاولة للوى عنق الحقيقة بالرغم من اعتراف اطراف الانقلاب بذلك وبعضهم انتقد مشاركته فهذاليس غريبا على منهج جماعة الدرديرى فقد سموا الثورة التى هزمت سلطتهم الباطشة سلميا بالانقلاب وبالثورة المصنوعة.
يجتهد الدرديرى فى تثبيت الامر الواقع(قوة البندقية) الذى اتى بسلطة الانقلاب كمصدر للشرعية الدستورية وبالطبع هذا يتسق مع قناعاته الفكرية ومنهجه الذى لايؤمن بالتحول الديمقراطى الذى كانت حركته جزءا منه وانقلبت عليه فى 89والذى انتقده زعيم الحركة الروحى والفكرى د. الترابى(كاكبر الاخطاء) فى حلقات الجزيرة؟!!!!
منطق الدرديرى هنا يتوافق مع ماظل يردده البرهان ان القوات المسلحة هى وصية على الشعب تقرر ماتراه نيابة عن الشعب لاامتثالا لارادته التى شكلت ثورة ديسمبر المجيدة.
يجتهد مقال الدرديرى فى اثبات ان الدعم السريع ليس قوة نظامية رسمية متجاهلا عن عمد حقائق جوهرية وهى من الذى صنع الدعم السريع؟ومن الذى قنن له ودربه وسلحه واعطاه حق الامتياز الاقتصادى فى موارد البلاد؟ومن الذى ادخل الدعم السريع فى المجلس العسكرى ابتداءا؟ قبل الاتفاق بين العسكريين والمدنيين بموجب الوثيقة الدستورية؟ والادهى والامر ان الدكتور الدرديرى عندما كان وزيرا للخارجية استمات ممثله فى الامم المتحدة دفع الله الحاج يوسف فى وصف الدعم السريع قوة وطنية و تبرئته من جرائم دارفور، والآن يستند الى تقارير للامم المتحدة سمت الدعم السريع بالمليشيا!!! انها قمة البراغماتية والانتهازية وتناقض المعايير.
يعترض الدرديرى على وضع الجيش والدعم السريع معا على قدم المساواة بوصفهما طرفين متحاربين!!!!
ان اعلان جدة الموقع عليه من الطرفين ولاحقا له اتفاق المنامة، والامر الواقع الذى تحدث عنه لايعزل الدعم السريع الذى فصل له الجيش وقائده منصبا لم تنص عليه الوثيقة الدستورية نفسها.. واذا كانت شرعية الامر الواقع هو الانقلاب فان طرفى الحرب شريكان فى الطبخة الشايطة التى نتيجتها الحرب المدمرة.
المدهش ان الدكتور يختزل قضية اعتراف المجتمع الدولى والاتحاد الافريقى بسلطة الامر الواقع فى تعيين سلطة الانقلاب لرئيس وزراء مدنى (كامل ادريس) ارتضى ان يكون عرابا للانقلاب وراعيا بقيده وملتزما بتوجهاته ولايملك سلطة اختيار حتى وزرائه.مهما ماقيل عن ترحيب الاتحاد الافريقى او الامين العام للامم المتحدة عن ترحيب بهذه الخطوة الديكورية فانه لن يغير من حقائق الاشياء والا لماذا لم يلغ الاتحاد الافريقى قراره القاضى بعدم الاعتراف بسلطة الانقلاب.
ثانيا: النقطة الجوهرية الثانية التى ناقشها مقال د. الدرديرى ماورد فى بيان الرباعية (مستقبل السودان لايمكن ان تحدده الجماعات المتطرفة العنيفة او تلك المرتبطة بشكل واضح بجماعة الاخوان المسلمين)…
ورد فى مقال د. الدرديرى ان النص على الاخوان المسلمين فى بيان لمجموعة دولية والمطالبة باقصائهم عن تشكيل مستقبل السودان هو موقف لاعلاقة له بخيارات السودانيين ولامسيرة فترتهم الانتقالية!!!!!!
ان خيارات السودانيين قد حسمت من خلال ثورة ديسمبر فى هذه المجموعات التى كانت حاكمة بالتعاضد والتساند طيلة 30عاما وخرج شعب السودان فى ثورة سلمية مهيبة بالملايين من القرى والحواضر واسقطت نظام الانقاذ وحلفائه وتوابعه، تلك الثورة التى انقض عليها العسكريون(جيش ودعم) بدعم الاسلاميين وقوضوا من خلالها الانتقال الذى اقسموا على حمايته، ان كانت للفترة الانتقالية من واجبات منقوصة فى حق هذا الشعب فهى فى تهاونها وتفريطها فى التعامل مع هذه القوى التى كانت تتربص وتضمر الشر بالانتقال الديمقراطى.
المقال يتحدث عن ان الالحاح الاماراتى الامريكى لاصدار البيان لم يكن لدوافع خيرية.
هذا صحيح بالطبع فالمجمتع الدولى ليس جمعية خيرية ولكن السؤال الذى يتقاضى عنه المقال هو من الذى اوصل السودان لساحة تنافس دولى امريكى/روسى/صينى؟اليس هو التعنت والاصرار على استمرار الحرب التى يعلم قادتها بانها ذات تاثير على السلم والامن الاقليمي والدولى، ان التدخل الدولى اياكان شكله يدخل من الثغرات الداخلية وضعف الارادة التى تشكل بيئة مناسبة للتدخل الدولى.
يخلص المقال الى موقف جوهرى يراهن عليه كاتبه ان خط الرباعية فى ان يكون نهجا مستداما تتبناه الامم المتحدة او الاتحاد الافريقى يعد حظه معدوما!!!
اولا ان بيان الرباعية وجد ترحيبا إقليميا ودوليا غير مسبوق وشبه اجماع الامر الذى يشكل عامل ضغط كبير على طرفى الحرب وقبولهما بوقفها..
ان الحديث والمراهنة على تناقض المصالح فى انه سيعطل اصدار قرار من مجلس الامن هذا رهان خاسر لان التناقضات فى المصالح الدولية يمكن ازالتها بالتنسيق والتنازلات والاتفاقات(حرب اوكرانيا نموذجا)..
ان السودان بعد هذه الحرب يحتاج لمشروع مارشال لاعادة الاعمار وليس من مصلحته ضمن ظروفه الاقتصادية والوضع الانسانى ان يضع نفسه فى مواجهة المجتمع الدولى.
خلص المقال فى خاتمته الى القول بان موقف الاتحاد الافريقى هو الدعوة للحل السودانى للازمة السودانية القائم على رفض الاقصاء الجماعى وعلى ضرورة ادارة انتقال متفق عليه بين القوى السودانية دون اقصاء.
هذا التحليل بالطبع يمثل موقف التيار الاسلامى بمختلف مسمياته وسبق ان قلنا منذ بداية الحرب ان الاسلاميين اذا ضمنوا موقعا فى خارطة الانتقال يعفيهم من المساءلة والمحاسبة ويفك عزلتهم السياسية سيتنادوا اليه.
لقد فات على كاتب المقال ان خط الاتحاد الافريقى المشار اليه هو خط تجاوزته المرحلة، وحاول تمريره فى لقاءات عديدة ولم ينتج غير معادلة صفرية..
الوضع السياسى الجديد الذى افترعه بيان الرباعية ليس معزولا عن تنسيق مع كل الاطراف الفاعلة فى حرب السودان إقليميا ودوليا وطرفى النزاع نفسيهما وربما هو نتيجة مباشرة لتفاهمات البرهان /بولس التى احيطت بجدار من السرية.
الذى لاشك فيه ان متغيرات كبيرة بشأن مايحدث فى السودان تدور تفاعلاتها.
من الواضح ان تركيز المقال على النقطتين المشار اليهما دون باقى النقاط يعكس هواجس الاسلاميين بشأنهما باعتبارهما نسفا فكرة العودة للسلطة من خلال الاتكاء على القوات المسلحة وعلى نسف فكرة اقصاء الاسلاميين..
#كل زول بونسوا غرضه…

Leave a Reply