ضاعفت الحرب المستمرة لما يقارب الثلاثة أعوام من أزمة الاقتصاد السوداني وساهمت في تدني قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية.
قبل حرب 15 أبريل 2023 كان سعر الدولار الواحد يتراوح بين 555 و 560 جنيهاً، الآن تجاوز سقف ال 3580، ومن المحتمل حسب قراءات اقتصاديين أن يصل لسقف ال 4000 وقد يزيد قبل انتهاء العام الحالي، هذا إذا لم تتخذ وزارة مالية بورتسودان وبنكها المركزي إجراءات تكبح هذا الانحدار السريع وهي المسيطرة على مفاصل الدولة بقوة السلاح منذ انقلاب 25 أكتوبر.
من غرائب السوق الموازي في السودان أن أسعار العملات أصبحت مثل السلع الاستهلاكية، كل تاجر له سعر خاص، كذلك يختلف السعر من ولاية لأخرى وحتى داخل الولاية من مدينة لمدينة، بعد أن تحول الدولار والعملات الأجنبية لسلعة خاضعة للعرض والطلب، وتقديرات تجار العملة في غياب كامل لتدخل وزارة المالية والبنك المركزي.
المواطن(نصر الدين م) لاجئ في كمبالا استطلعته صحيفة “الهدف” بخصوص انخفاض قيمة الجنيه وتأثيره على السودانيين المهاجرين والمقيمين، قال: انخفاض قيمة الجنيه المستمر أدخل كثير من السودانيين في أزمات مالية أثرت على قدرتهم الشرائية، وفي علاج مرضاهم وتعليم ابنائهم، وأكد بأن الظروف الضاغطة دعته وغيره للتفكير في العودة للسودان إلا أن الوضع الأمني وسوء الأحوال زائداً الأخبار المنقولة غير المشجعة حيث تفشي الوبائيات وغلاء الأسعار إضافة لأن أغلب المنازل في العاصمة أصبحت غير جاهزة للسكن بسبب السرقات وانهيار الكثير منها بسبب القصف والأمطار خلال الثلاثة أعوام الماضية، تمنعه وغيره من العودة برغم الرغبة الأكيدة في العودة.
الدكتور معتصم الزاكي “دونتاي” الباحث وأستاذ الاقتصاد قال في تعليقه حول أسباب تدهور قيمة الجنيه السوداني، رد الأمر لعدة أسباب، أولها استمرار الحرب وانقطاع بعض مناطق الإنتاج للمساهمة في الاقتصاد القومي من موارد طبيعية زراعية وحيوانية وموارد بشرية، ثانياً تراجع الناتج المحلي والناتج القومي الإجمالي وتراجع الصادرات، وبالتالي تراجع الإيرادات الخارجية من النقد الأجنبي، مع زيادة التهريب عبر حدود السودان للذهب والموارد الأخرى بشكل كبير، حتى الشركات التي تقوم بالتصدير بشكل رسمي يلاحظ هنالك ضعف في حصائل الصادر من النقد الأجنبي،
ثالثاً زيادة الطلب على النقد الأجنبي خاصة بعد عودة من الشركات والمصانع للعمل بالداخل وحوجتها للنقد الأجنبي لشراء المواد الخام وغيره، كل ذلك ساعد في زيادة الطلب عليه مع ندرة النقد الأجنبي وبالتالي ارتفاع سعر الصرف.
رابعاً النشاط الواضح لتجارة العملة وسعيهم للمضاربات.
الارتفاع المستمر لأسعار العملات الأجنبية دليل واضح على الانهيار المستمر لقيمة العملة الوطنية لدرجة فقدان الثقة في الجنيه السوداني البائن في الهامش الكبير بين العرض والطلب وعدم وجود سعر واحد ملتزم به.
تنشر يومياً بعض المواقع المعنية بنشر أسعار العملات الأجنبية، لكن يبقى السوق الموازي فوق كل التقديرات ويحتاج إلى متابعة دقيقة للمتغيرات وإليكم هذا المثال لأسعار اليوم التي قد تنقص أو تزيد قليلاً بين ولاية وأخرى، خلال ساعات من نفس اليوم في المنطقة المعينة.
الدولار الأمريكي 3541.965 جنيهاً
الريال السعودي 933.333 جنيهاً
الدرهم الإماراتي 953.678 جنيهاً
اليورو 4117.647 جنيهاً
الجنيه الإسترليني 4729.729 جنيهاً
الجنيه المصري 72.644 جنيهاً
هل دخل الاقتصاد السوداني مرحلة الانهيار؟
إن تراجع الصادرات مع الزيادة المستمرة للاستيراد بعد أن عطلت الحرب إنتاج المصانع وشردت رأس المال الوطني والأجنبي ودمرت كثير من قطاعاته، خاصة في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة، كذلك تحجيم واردات المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، كلها مؤشرات خطيرة تنذر بكارثة محتملة.
(م م ن) رجل أعمال وصاحب مصنع معروف في مدينة بحري، قال لصحيفة “الهدف”: مايحدث الآن للاقتصاد السوداني يشبه حالة الغيبوبة التي تسبق الموت، أما إذا استمر الإنفاق الحكومي على الحرب دون وضع معالجات رسمية تنعش الاقتصاد وتوقف تراجع قيمة الجنيه لتعيد دورة الاستثمار في قطاعات الانتاج المختلفة، وتربط كل ذلك بتوفر الأمن وخلق ظروف صالحة للمستثمرين وأصحاب المصانع، لن ينعدل الحال وسيصل الاقتصاد لمرحلة الانهيار التام.
زيادة معدلات البطالة والفقر وتفشي الأمراض وعدم توفر العلاج وقطع إمداد الكهرباء والمياه الصالحة للشرب واعتماد عشرات آلاف الأسر على التكايا في ظروف غير إنسانية منعت فيه الإغاثة وتسببت في اعتماد المواطن على أكلالامباز وصفق الشجر، كلها تستوجب النظر بعين الاعتبار لضرورة معالجة أزمة الاقتصاد وبالتالي اتخاذ خطوات عملية تقود لوقف الحرب اولاً تمهيداً لوضع معالجات عملية توقف تدهور قيمة الجنيه السوداني الذي يرقد الآن طريح فراش المرض يبحث عن علاج وطبيب في وقت لايسمع فيه لصوت الفقراء ولا ينظر فيه لغير البندقية.
الجنيه يمثل قيمة اقتصادية ومعنوية وانخفاض قيمته تؤثر مباشرة في النظرة للمتعاملين به، لذلك يجب أن ننظر لقيمة الجنيه السوداني بمنتهى الأهمية باعتباره الثيرموميتر الذي يقاس به ويقيم الإنسان السوداني في الخارج.

Leave a Reply