
أزهري الحاج
#ملف_الهدف_الثقافي
يا محمدُ.. كيف امتشقْتَ إرادتَك
وأنتَ تمضي حاملًا أمتَك
على رأسِك كالنساءِ الزنزباريات،
وتطلقُ ورودَ أحلامِك كالعصافير
تَحلِقُ في فضاءاتِ الجهات.
كيف وأتتكَ المسافاتُ
لتذهبَ حافيًا إلى ما هو آتٍ؟
وما زال نخلُ الحياةِ يقولُ لك يا محمدُ هات.
كيف جاءكَ مخاضُ الخروجِ الصعبِ من رحمِ المعانيِ الممسكات؟
وكيف استطعتَ الولوجَ إلى بستانِ وردتِك الأثيرة
لتودعَ كلمتَك الأخيرة
بينَ الحريرةِ والضريرةِ
في عرسِ نزيفِ العشيرة؟
كيف جعلتَ بيداءَ اليبابِ
سحائبَ تمخرُ في وسادتِك المطيرة؟
وما زال السؤالُ في وطنِ الجمالِ
يزدادُ سؤالًا في انتظارِ إجابتِك الجهيرةِ.
كيف تمضي وتحمل صبحَ النهارِ
بعيدًا عنا؟
هل كانت حيلتُك المكيرةُ
أن تجتَرَحَ لنا موالًا بديلاً يضيء في ليلِ الظهيرة
حين يغيب موجُ النيلِ
في غياهبٍ غابتْ على سطحِ الجزيرة؟
وكيف لليلِ أن ينجلي
وأنتَ تبعدُ عنا وملءُ كفيك بصيصُ فجرك الموعودِ
وأوارُ شمعتِك المنيرة؟
هل أرهقتكَ الأحلامُ المهملةُ؟
أم راودتك عروسُ القصائدِ في مقامِ الجلجلة؟
وقد قَدَّ قميصَك من دُبرٍ.. ومن قبلُ
وكنتَ القابلَ الدابرَ وكان الليلُ في أوله..
وعند نَزِيعِ الفجرِ انتصبَ الصوتُ
مشهِرًا حول قوته وقوله
(بالطولِ والعرضِ
سوداننا يهتزُّ
تميد بالناس السمواتُ والفلواتُ والأرضُ)
وينسحب البَساطُ
ناصبًا طولهُ وفارِدًا عرضهُ
ناشِرًا شدوك في الجهاتِ الأربعِ
ما أبدعه. وما أبدعكَ،
وأنتَ تشدو بعد رحيلِك
بالنشيدِ القوميِّ الجديدِ
الذي جُبِلَ من تبرِ هذا الترابِ العتيدِ
ما أروعَهُ وما أروعكَ
وأنتَ تدخلُ من بابِ الخروجِ
إلى فضاءِ المسألةِ.. والسؤالِ المعضلةِ
وتخرج داخِلًا في الهديرِ
متأبطًا هديلَ المدى وصهيلَ الصلصلةِ
خذنا إليكَ يا محمدُ
من كلِّ هاتيكَ التوالي
ودثرنا بحدائقِك وأحمِنا منا
ومن سوءِ خاتماتِ الليالي
أو خذنا معكَ.. إلى ملكوتِ فضائِكَ العالي
ودعنا نموتَ لنحيا هناكَ
بدلًا عن حياةِ موتِنا المجانيِّ هنا.
أنا أستجيرُكَ برحيقِ برتقالةِ الرحيلِ،
وعقيقِ معصوراتِ الدوالي،
أن تتركَ لنا منكَ شيئًا قليلًا
يبقينا على قيدِ المسارِ المستحيلِ
أو يغرقنا في فيوضٍ من سلسبيلِ النيلِ.
يا محمدُ.. اعصرْ لنا الأفلاكَ في كوبٍ من عصيرِ القبولِ
واسكبْ ماءَ الجلالِ في ثغرِ باديةِ الهطولِ
من غيرِك خطُّ دربًا للروابي
وهي تختبرُ التلالَ قبلَ الأفول؟
من غيرِك علَّمَ الأشجارَ
أن تجثو على طميِ الظلالِ؟
وتبكي على الأطلالِ؟
من غيرِك اعتلى صهواتِ العزيمةِ؟ وامتشقَ رمحًا كالهلالِ
وطيدًا كالجبالِ قصيرًا كعمرِ الهزيمةِ
طويلًا كقامةِ النضالِ.
من غيرِك؟.. من غيرِك؟
الإسكندرية، يناير2025
Leave a Reply