
✍️ ماجد الغوث
بتاريخ 13 سبتمبر 2025، أصدرت الحركة الإسلاموية بيانًا تضمن رؤيتها الاستراتيجية، عبّرت فيه عن رفضها القاطع لوقف الحرب بذريعة أن هذا المطلب صادر عن (الرباعية). كما تضمّن البيان هجومًا على الأحزاب السياسية السودانية، واتهامها بالعمالة والخيانة، زاعمةً أن الحرب القائمة إنما تخاض ضد (متمردين وعمالة أجنبية).
غير أن الواقع يؤكد خلاف ذلك. فالحرب الدائرة اليوم بين قوات الدعم السريع وقيادة الجيش والحركة المتأسلمة ليست حربًا وطنية، بل صراع استباقي على المصالح الاقتصادية والسياسية، وخلاف مباشر على السلطة والحكم.
من الاستيلاء على السلطة إلى السقوط الشعبي: الحركة المتأسلمة استولت على الحكم بانقلاب عسكري في 30 يونيو 1989 ضد حكومة مدنية جاءت عبر انتخابات 1986. استمر حكمها أكثر من ثلاثة عقود، حتى أسقطته ثورة ديسمبر الشعبية السلمية في 2018، بعد أن ضاقت الأحزاب والقوى الديمقراطية ذرعًا بفسادها الاقتصادي وألاعيبها السياسية، وبدأ تيار جماهيري واسع يتشكل ضدها، مدعومًا بمسارات قانونية لمحاسبة رموزها.
ومع تراجع شعبيتها وانكشاف فسادها، برز (تيار انتفاضة مارس/أبريل) الذي ضم أحزابًا ونقابات واتحادات طلابية وشرائح شبابية ونسائية، فشكّل جدار صدٍّ اجتماعيًا في مواجهة تمددها. أمام هذا الوضع، لجأت الحركة المتأسلمة إلى تحالف تكتيكي مع قوات الدعم السريع، التي أنشأتها في التسعينيات كقوة عسكرية واقتصادية ضاربة لمواجهة الحركات المسلحة.
مأزق ما بعد الثورة: مع تشكيل حكومة ثورة ديسمبر، وجدت الحركة الإسلامية نفسها محاصرة أمام لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد، التي كشفت ملفاتها المالية والعسكرية وأظهرت حجم الأموال المنهوبة. ومع اقتراب اللجنة من مساءلة مؤسسة الدعم السريع نفسها – بما تملكه من جناحي المال والسلاح – بدأ يتشكل تحالف خفي بين الطرفين، هدفه حماية مصالحهما المشتركة واسترجاع الأموال المستردة لصالح خزينة الدولة.
وجاء انقلاب 25 أكتوبر 2021 ثمرةً لهذا التآمر المشترك بين عناصر الحركة المتأسلمة العسكرية والأمنية وقيادة الدعم السريع، بذريعة (التدخل الخارجي) و(فولكر). واليوم، تعيد الحركة تكرار السيناريو نفسه، مع اختلاف المسميات؛ فبدلاً من الحديث عن (المؤامرة الخارجية)، أصبح الخطاب يدور حول (حرب الكرامة) ضد (عملاء أمريكا ومصر والإمارات والسعودية). المفارقة أن هذا العدو الجديد – الدعم السريع – كان حليفها وشريكها في انقلاب 2021، قبل أن يتحول إلى خصم في حرب 15 أبريل 2023.
خسائر فادحة ومحاولات يائسة: الحركة الإسلامية اليوم ليست كما كانت. فقد خسرت رصيدها المالي الذي تجاوز 150 مليار دولار جمعتْه بغير وجه حق، وتهاوى بنيانها التنظيمي، وتفككت قيادتها العليا والوسيطة، وزُج بمعظم كوادرها في محرقة الحرب. لم تعد موجودة في المؤسسات المالية أو العسكرية، ولا في وجدان المجتمع الشعبي.
كل ما تبقى هو محاولات يائسة لإعادة بناء ما تهدّم، لكن في (الزمن الضائع). فالحقيقة التي تحاول الحركة أن تغطيها بأصبعها هي أنها فقدت المال والكادر والشرعية معًا، وأن شعاراتها الدينية لم تعد غطاءً مقنعًا لفسادها ومصالحها.
Leave a Reply