
كمال باشري
#ملف_الهدف_الثقافي
كانت شوارع المدينة تضجّ بالضوضاء، وأزيز المحركات يملأ الهواء. كان الرجل الأعمى يسير ببطء على حافة الرصيف، خطواته مترددة، وعصاه البيضاء تتلمس طريقها بحذر. في تلك اللحظة، توقفت سيارة بجواره. لم يكن يتوقع شيئًا، فقط سكون اللحظة قبل أن يفتح باب السيارة ويسأله صوت دافئ: “هل أنت ذاهب إلى مكان ما في طريقي”؟
استقل الرجل السيارة، وراح يسرد حكايته. صوته كان يرتعش من فرط الإرهاق واليأس. تحدث عن زوجته، التي أنهكها الفشل الكلوي، وعن حاجتها الملحة لعملية “فستولا” لتستمر في جلسات الغسيل، وعن عجزه عن توفير تكاليف العملية. كان وجهه يروي قصة ألف باب أُغلق في وجهه.
لكن الرجل الذي يستمع إليه، كان يحدق في الطريق، وعلى وجهه ترتسم علامات الدهشة. لم تكن صدفة عابرة، بل كانت أقرب إلى معجزة صغيرة. فقد كان هذا الرجل هو مدير مركز خيري لغسيل الكلى، وفي ذلك اليوم تحديدًا، كان المركز يجري عمليات “فستولا” مجانية للمحتاجين.
توقف قائد السيارة وعلى وجهه ابتسامة هادئة. لم يقل شيئًا كثيرًا، فقط مدّ يده وأمسك بيد الرجل الأعمى. “لقد انتهى بحثك،” قال له. “كل ما عليك فعله هو أن تخبرني باسم زوجتك، وسنبدأ التحضير لعمليتها الآن”.
كانت عينا الرجل الأعمى تلمعان، ليس لأنه رأى، بل لأنه أحسّ بضوء الأمل يغمر قلبه.
Leave a Reply