
محمد الحاج
#ملف_الهدف_الثقافي
أيها الأصدقاء،
أعيد نشر هذا النداء والحرب في بلادنا تتجاوز عتبة عامها الثالث بعد أن كسرت ظهر شعبنا وامتصت رحيق الحياة. نناشد أصدقائنا من الكتاب والمفكرين والشعراء والفنانين والناشطين في حقل المعرفة والثقافة، وكل صاحب وعي وعقل رشيد، أن يخلعوا معاطفهم ويرتدوا معطف الوطن، ويقفوا جنبًا إلى جنب، مشكلين كتلة ضغط رافعين أصواتهم ليسهموا في وقف نواعير الدم والموت المجاني لشعبنا.
عندما صرخ فولتير من منفاه: “أوقفوا هذا العار”، وكتب إميل زولا نداءه “إني أتهم”، وعندما سأل الطيب صالح سؤاله الحاد المسنّن: “من أين جاء هؤلاء؟” كان لكلماتهم دويٌّ وصدى هزَّ عروشًا وحرّك بحيرات الصمت. لم يستخدموا بنادق قنصٍ ولا مدافع رشاشةٍ ولا غازات سامة ولا براميل متفجرة، لكنهم وظفوا قوة وسلطة المعرفة الرمزية للتأثير في مجريات الواقع.
ولقناعتنا بأنّه لا يوجد تغيير حقيقي على مدى التاريخ الإنساني لم يتقدمه الفكر والوعي والعقل المستنير، فالمثقف هو المعنيّ والقائم بذلك وبحمل لواء الوعي ومشاعل المعرفة والاستنارة.
نطلق هذا النداء لأن المثقف عبر تاريخنا الوطني كان ضمير الأمة وقلبها النابض ومِهْمَزَ نهضتها، وضوء عتمتها. ففي حضن مظان الثقافة، وفي كنف صالوناتها، برعمت أشجار السياسة، وترعرعت حركة الوطن، واتقدت جذوة كفاحها؛ وكان المثقفون حداة ركبها حتى أينعت ثمارها في أوتار الخليل ورقاع شعر التجاني، وأقلام عرفات ومعاوية نور وكتابات أحمد خير، ومسرح العبادي، وألحان عبد المعين، وصوت العطبراوي.. فأين المثقفون؟ فاتحي الدروب ومضيئي البؤر المظلمة! الآلات الصلدة الأقوى من الصوان كما وصفهم ولسون، أين هم؟ والجغرافيا تتمزق والتضاريس تتفكك والتواريخ تُطمَس والأسماء تُزوَّر، والوطن يُسرق والذواكر تُنهَب، والدماء تشخب، والشباب يُقتل، والقيم والمعاني تُصادر. أين المثقفون؟ من وطن طاعن في الغياب ومعمّن في الأفول، يتمرّغ في رغام الجهل والجوع والمرض، ويقيم في خيام النزوح؛ وطن تتسول فيه الحرائر، وتنتهك الطفولة، يحجل فيه القتلة، ويتقدم الطغاة والسُراق والمهربون وتجار الحروب، ويصعد المشعوذون ومبيضو الأموال كأبناء بررة لوطن منهوب… أين المثقفون؟ أين أنتم يا أصدقائي؟ يا ملح الحياة ومسامير الأرض، لا تشيحوا بوجوهكم عن المشهد، لا تدسّوا رؤوسكم في الرمال، لا تستمرؤوا الجلوس في مساطب الفرجة، لا تقبلوا بدور النادبة عند الأحزان، ولا بدور حفّار القبور ساعة الموت. لا تسترقوا النظر من فُرجة القلب إلى وطن ينزلق في مهاوي الضياع.
أرفعوا أقلامكم مصابيح من زيت الحكمة، وعلقوا كلماتكم تمائم من خرز البصيرة.
أيها المفكرون والكتاب والشعراء والفنانون، أنتم لستم قشرة لاصقة في لهاة الزمن، ولا جُملًا معترضة في كتاب التاريخ؛ أسماؤكم تُربك الطغاة، وكلماتكم تفضح المشهد، وأغانيكم تغرس وردة الأمل. تعالوا نقف معًا، نُرمّم المشهد المتداعي، ونُسند سقوف الوطن المنهالة، ونشكل كتلة ضغط. لا تنتظروا حتى يطرح الناس السؤال القاسي والجارح الذي طرحه الشاعر برتولت بريخت: “أين كان الكتاب والشعراء عندما كانت تسيل دماء شعوبهم في الشوارع؟” تعالوا، اضبطوا ساعتكم على نثيث الضوء، افتحوا قلوبكم واستشرفوا الفجر الآتي.
Leave a Reply