
فيصل شرير
#ملف_الهدف_الثقافي
ذلك إغواء ليس لي طائل بالانغماس فيه، وفظاعة كبرى ليس لقلبي قدرة على احتمالها دون أن يتخلى عني في ذات تنهد حار تكاد أن تطير باطمئناني وسلامي الداخلي. إغواء كهذا يكفي لأن يطيّر حمائم ذاكرتك صوب لذة واشتهاء على قدر مساحة حضن حبيبة احتفظت به طازجًا منذ أول اكتمال للبدر كنت قد راهقت فيه. يطيّرها عن عمد، تلك اللذة الآثمة ملفوفة بغلاف الخوف ذاته، كقبلة بعيدة الأمد خبأتها في شفتين اعتادتا أن تغويا حتى ملكات العسل، خدر لذيذ تشتهيه صبية تزور تخومها الفراشات، عسل لا يزال يقيم في ذائقتك، كأنما امتصصت رحيق شفتيها الآن الآن.
طازجة كانت تلك القبلات، كأنها نبتت الآن في بستان يربي البرتقال ولم تعد تصعد هامة أشجاره منذ أن رمقتك تلك الصبية بعينين ينبت السحر في بحيرتهما، إذ غدوت في غير ما مبالاة تدرب حمامات عشقك أن تطارد سكر شفتيها حتى نبت القلق على أجنحتها، وطارت بصبرك حتى آخر حدود الشوق، وأصبحت فارغًا من نساء الكون، كأنما ربحت سهد العشاق وجنونًا يتربص بقدرتك على الانعتاق من محارة العشق، وخسرت راحة البال مقابل الضجر. لا شيء عندك يعدل ابتسامتها ولا حتى وعد بجنات عدن، ولم تعد تملك إلا أن تغادر الفرح وتسكن في حواف الانتظار الحادة.
حدثتك كوابيسك الليلية أن النهارات المعطونة بسيرتها ستأكل المسافات التي تسند تعبك على كاهلها، تزدردها دفعة واحدة دونما وازع من ضمير. قد يحدث أن تجيئك متدثرة باللهفة وتمد إليك بحضنها، ليس أمامك من طريق إلا أن تلاعب أمنيات أقمار عينيها، وبيدين حانيتين تغسل الحزن الكامن في صوتها وتعيد ترتيب طبقات صوتها ولا تعود تغني إلا للعشق. ينام خوفك على حجرها مطمئنًا ولا يستيقظ فزعًا إثر كابوس يقلق راحتكما.
صبية عبأت شرايينك عشقًا منذ أول يوم لامست عينيك تربتها الطينية، حتى والسنين العجاف تطرق باب عظامك: كو.. كو.. كو. كنت لا تزال تنتظر أن تسمح لك بأن تفتح باب منامتها وتدس قلقك ما بين لحافها ووسادتها، فقط أنت وأنفاسها وحضن دافئ يحرض رغبة شريرة منكما بالعناق، تمد إليك حنانها معبًا في تفاحتي نهديها. ليس لديك مقدرة على رفض هديتها وأنت في كامل سكرتك تلك، تشير إليك بدلال نحو حماماتها، تفك رتاج القفص والفرح المسافر بعينيك يسرّح جنون الريبة ولا تملك إلا أن تطير عصافيرها نحو الفراغ.
ذلك ما لم يسمح به قدرك بالحدوث، وتظل محفوفًا بتلك الحسرة المتأنقة، حافي القدمين إلا من آثار حناء صبغنها بنات المطر. تخطو نحو ثمرة البرتقال، تدخل برأس مفتوح نحو الأعلى، تتساقط منه الرغبات مثل ثمار خاصمتها الأشجار. تفاجئك تلك الفظاعات التي اعتدت أن تمشي على حصيرها المفرود عند كل الزوايا والمنحنيات الخطرة: حسرة تلو حسرة، وموت إثر نجاة. رأسك المائل نحو الظل، يدلق الخوف على خطاك المتعثرة، يقبقب الحذر ويدفعه صوب فضاء الخيبة الزنيمة، تلك الخيبات التي ظلت تشتبك مع جنونك ورغبات شريرة تمشي على استحياء وتسقط من أعلى جسر شيدته أفكارك ما بين ضفتين لنهر يتسلى بقصص العشاق.
تخرج من رأسك المشحون بتيارات السالب والموجب، تلك الرغبات التي حملتها طيور اللقلق على أجنحتها وطارت صوب فضاء يحتفي كل شتاء بسيرتها المطبوعة على زخات المطر. لا الريش فضحها ولا حبات المطر تنازلت عن سيرتها أنت فقط وعشقك الأزلي من يملكان مفاتيح قبة السماء التي لا تفتح كوتها إلا للنُسّاك والعباد، وتمسك مطرها صيفًا، ولا تمنح تلويحتها عادة للذين جاهروا بدلق المرارة على ثوبها.
تلك المرارة التي تحتلك من رأسك وحتى أخمص قدميك، وتجذبك من خناقتك، تحرض الشر الكامن فيك دون حتى المرور على خطوط الطيبة النائمة على صدرك، كأنما تمشي فوق ألغام، كأنما تخاف أن توقظ (الملاك) الكامن في ثباتك.. نحو الأفق والسماء المفتوحة بثبات نحو الأعلى، رفقة أنجم بعيدة ونظرة لا تعرف الانكسار.
Leave a Reply