
*محمد ضياء الدين*
شكّل بيان الرباعية بشأن الأزمة السودانية محطة فارقة في مسار البحث عن مخرج سياسي سلمي للحرب العبثية التي تدخل عامها الثالث، إذ لقي ترحيباً واسعاً من غالبية القوى السياسية والمدنية الديمقراطية، التي اعتبرت صدوره جهداً إقليمياً ودولياً تأخر كثيراً، لكنه يفتح نافذة أمل لإنهاء الحرب وتحقيق السلام وإستعادة المسار الديمقراطي. فقد أكد البيان بوضوح على ضرورة صون السيادة الوطنية ووحدة أراضي السودان، وعلى إنهاء هيمنة جماعات الإسلام السياسي على مؤسسات الدولة، والتي وُصفت في الوثيقة بأنها “منظومة إرهابية متطرفة”، إلى جانب إستبعاد أطراف الحرب من المشهد السياسي خلال الفترة الإنتقالية.
غير أنّ هذا الترحيب، على أهميته، لا يخفي حقيقة أن الطريق نحو الحل لا يزال محفوفاً بتحديات جسيمة، أبرزها الدور التخريبي لبقايا النظام السابق التي رفضت البيان علناً. فهذه القوى تنظر إلى إستمرار الحرب بإعتبارها فرصة أخيرة للعودة إلى السلطة عبر الجيش والمليشيات، متوسلة بذلك نشر الفوضى وإطالة أمد الصراع. وهي إذ تفعل ذلك، تنطلق من رؤية ضيقة تقوم على هاجس الحفاظ على الامتيازات الاقتصادية والنفوذ السياسي الذي إستعادته بعد إنقلاب 25 أكتوبر 2021، مدركة أن أي مسار مدني ديمقراطي سيعني خضوعها حتماً للمحاسبة التاريخية والسياسية التي طالما تهربت منها. ومن هنا، تقوم استراتيجيتها على إدامة الحرب وإفشال أي مبادرة لوقف القتال، مستخدمة خطاباً مزدوجاً يتظاهر برفض التدخل الخارجي بينما يسعى في الواقع إلى استدعائه كلما خدم بقاءها وأجندتها. وقد أدى ذلك إلى تحويل الأزمة إلى حرب إستنزاف طويلة الأمد، تستنزف مقدرات الشعب والدولة، وتصبّ نتائجها في مصلحة النخب الطفيلية الإسلاموية العسكرية والمدنية، بما يهدد النسيج الإجتماعى والسيادة الوطنية ووحدة البلاد.
وأمام هذه التعقيدات، تدرك القوى الوطنية الديمقراطية أن إستمرار الحرب يشكّل معركة وجودية تحدد مصير الدولة السودانية. لذلك يتعين عليها أن تعزز التنسيق فيما بينها لتتعامل بوعي مع المبادرات الخارجية، وأن تسعى إلى بناء جبهة مدنية عريضة تضع هدف إنهاء الحرب وإستعادة المسار الديمقراطي في مقدمة أولوياتها. ولا بد لهذه القوى أن تستعيد زمام المبادرة السياسية بحيث يكون الدعم الخارجي عاملاً مساعداً لا بديلاً عن الإرادة الشعبية. ورغم أن تأخر تشكيل هذه الجبهة فوت فرصاً مهمة في مراحل سابقة، إلا أن حجم التحديات الراهنة ينبغي أن يدفع نحو بلورة رؤية عملية عنوانها الأساس إنهاء الحرب عبر مسار سياسي عادل يضمن حماية المدنيين، وإغاثة المتضررين، وإطلاق حوار وطني خالص يستثني المؤتمر الوطني ومجموعاته، مع إخضاع كل من يعرقل الحل للمساءلة الصارمة. كما أن على هذه القوى أن تنظر إلى الصراع بإعتباره حرب إستنزاف مضادة، تتطلب إعادة الاعتبار لتنظيم الجماهير في مختلف القطاعات، بما يمهّد الطريق لقيام سلطة إنتقالية وطنية تقود مشروع بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وفاءً لأهداف ثورة ديسمبر المجيدة.
وفي هذا السياق، يبقى على الرباعية والمجتمع الدولي أن يثبتا قدرتهما على تحويل البيان من مجرد موقف سياسي إلى أداة ضغط حقيقية توقف الحرب وتمنع قوى الردة من الالتفاف على الحلول. ومن المرجح أن تشهد المرحلة المقبلة حالة من الشد والجذب بين معسكر دعاة الحرب ومساعي فرض مسار السلام. غير أن العامل الحاسم سيظل مرهوناً بقدرة القوى الديمقراطية السودانية على توحيد صفوفها وتنسيق جهودها، إذ إن تحقق هذا الشرط سيعزز فرص الإنتقال التدريجي نحو السلام والديمقراطية رغم ما يحيط بالمشهد من تعقيدات وتحديات.
Leave a Reply