بقلم: م. الرشيد حسب الرسول
أصدر حزب البعث بيانه حول الموقف من بيان الرباعية في 16 سبتمبر 2025م، أي بعد 4 أيام، وهو ما يؤكد أن الحزب قد درس البيان دراسة متأنية ليكون موقفه منسجماً مع (اللحظة الدقيقة من تاريخ بلادنا) كما سماها البيان، ولينسجم كذلك مع ردود الفعل الشعبية والتي أكد البيان أن قيادة الحزب قد تابعت صداها باهتمام بالغ.
يستند حزب البعث في تحليله لمجريات الواقع الوطني على منهج (علمي جدلي تاريخي)، لذلك لا يُخضع مواقفه للتطورات السياسية، بل ينطلق دائماً من نظرة مرتبطة بالجماهير وتطلعاتها، وعليه دائماً ما تكون مواقفه ملاصقة للواقع لا تناقض فيها، وكذلك لا تقفز فوق الواقع لتصبح مواقف استعلائية يصدرها من أبراج عاجية للجماهير أو رجماً بالغيب.
صدر البيان ليعبر عن موقفه الإيجابي من توجهات البيان الصادر من الرباعية، وهي توجهات لا تتعارض مع موقف الحزب الذي عبر عنه عشية اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م، الموقف (الرافض للحرب وتوسيع نطاقها، ومن مخاطر استمرارها على ثوابتنا الوطنية الراسخة، وفي مقدمتها استقلال السودان وسيادته الكاملة وحق شعبه في تقرير مصيره بحرية وإرادة مستقلة، عبر تقاليد نضاله السلمي الديمقراطي، والرفض القاطع لأي شكل من الوصاية عليه)، وهو الموقف الذي ظل ثابتاً حتى اليوم.
كذلك أكد بيان الحزب أن توجهات بيان الرباعية لا تتعارض مع مواقف بقية القوى السياسية الرافضة للحرب، بل تصب في جهودها المستمرة لإنهاء الحرب وفتح الطريق نحو السلام العادل والشامل، لا سيّما فيما يتعلق بالدعوة للحوار السياسي، والعودة إلى المسار الديمقراطي، وإيصال المساعدات، وحماية المدنيين والبنى التحتية، والحلول السلمية لقضايا الصراع والتطور الوطني. كما أكد كذلك ـ مع الترحيب بالدور الإقليمي والدولي ـ أنه مشروط بوضع مصلحة السودان وإرادة شعبه واستقراره فوق كل اعتبار، وأن التعاطي مع أي من المبادرات الخارجية لابد أن يكون بوعي بعيداً عن رمال السياسة الدولية المتحركة (وما خطر نيفاشا 2 ببعيد).
حدد الحزب ثلاث خطوات متلازمة تمثل دعائم للحل العادل والمستدام للأزمة في بلادنا: (وقف شامل ودائم لإطلاق النار يحقق الأمن والاستقرار، إزالة أي قيود عن وصول إغاثة إنسانية عاجلة تخفف معاناة المواطنين في كل المناطق المتأثرة بالحرب، التوافق على برنامج لعملية سياسية يقودها السودانيون أنفسهم، عدا المؤتمر الوطني ولافتاته والقوى المتحالفة معه).
راهن الحزب على وعي جماهير الشعب السوداني للمرة الثانية بأن تفضي هذه العملية إلى فترة انتقالية مؤقتة تحقق مهامها بالتوازي في فترة زمنية لا تتجاوز العام، يكون من أولوياتها أهداف رئيسية تتمثل في (استعادة الحد الأدنى من الحياة الطبيعية للمواطنين، التحضير لانتخابات تشريعية لاختيار برلمان انتقالي، هذا البرلمان هو الذي سوف يشكل لاحقًا حكومة انتقالية لتنفيذ برنامج مرحلة ما بعد وقف الحرب واستكمال مهام انتفاضة ديسمبر الثورية). وهو ما ينسجم مع موقف الحزب الذي راهن فيه بعد انقلاب 21 أكتوبر 2021م على وعي جماهير الشعب السوداني التي رفضت الانقلاب وعرقلة مسار التحول المدني الديمقراطي منذ لحظاته الأولى، والطبيعي أنها قادرة على اختيار البرنامج الذي يعبر عن تطلعاتها وآمالها اليوم أكثر من ذي قبل.
إن التطرق لبيان الحزب ليس من باب التمجيد، ولكن لفتح النقاشات مع الآخرين ولتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية صاحبة المصلحة أكثر من غيرها في إيقاف الحرب وتحقيق السلام العادل والشامل لبلادنا. لذلك على السودانيين الإمساك بزمام المبادرة بفرض أجندتهم الوطنية في الديمقراطية المستدامة المرتبطة بالتنمية المتوازنة جغرافياً واجتماعياً.
Leave a Reply