التحولات الاشتراكية في العراق (1968 – 2003): دراسة تحليلية في التطبيق والنتائج- الحلقة الثانية

صحيفة الهدف

الاشتراكية العربية: خصوصية المفهوم البعثي
التطبيق العملي: من النظرية إلى الممارسة

#ملف_الهدف_الاقتصادي
بعد أن أسّس حزب البعث رؤيته للاشتراكية العربية على أرضية فكرية تجمع بين القومية والبعد الروحي والأخلاقي، جاءت مرحلة التطبيق في العراق بعد عام 1968. تمثّلت الخطوة الأولى في التأميمات الكبرى، وعلى رأسها تأميم النفط عام 1972، الذي اعتُبر نقطة تحوّل استراتيجية جعلت الدولة تمتلك أداة السيادة الاقتصادية وتمويل مشاريعها التنموية. ورغم الطابع الاشتراكي للتوجه الاقتصادي، لم يُلغَ القطاع الخاص بالكامل، بل فُسِح له مجال محدود في الأنشطة الصغيرة والمتوسطة، فيما احتكرت الدولة القطاعات الإنتاجية الكبرى (النفط، الصناعات الثقيلة، البنوك، التجارة الخارجية).
السياسات الاجتماعية والتنموية:
أ‌. التعليم: أطلق الحكم الوطني في العراق برامج واسعة لمحو الأمية وتعليم الأجيال الجديدة، حتى حصل العراق على اعتراف من اليونسكو بتقدمه الكبير في هذا المجال في الثمانينيات.
ب‌. الصحة: توسّع النظام الصحي ببناء المستشفيات والمراكز الصحية في المدن والأرياف، مع مجانية العلاج.
ت‌. الريف: نُفِّذت إصلاحات زراعية جزئية، هدفت إلى تقليص نفوذ كبار الملاّك، وإن ظلّت دون الطموحات الثورية.
النجاحات:
أ‌. تحقيق معدلات نمو مرتفعة خلال الطفرة النفطية (1973 – 1980).
ب‌. بناء قاعدة صناعية وزراعية نسبية.
ت‌. تحسين الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية.
التحديات الخارجية: الحروب والحصار
أ‌. الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988): “قادسية صدام المجيدة” استنزفت الموارد، وحوّلت الاقتصاد من البناء إلى الحرب.
ب‌. الحصار والاحتلال الأمريكي (1990 – 2003): أدّيا إلى انهيار البنية التحتية، وتراجع التعليم والصحة والإنتاج.
النتائج النهائية: بين النظرية والواقع
أثبتت التجربة أن الاشتراكية العربية في التطبيق في ظل الحكم الوطني العراقي حملت مزيجًا من الإنجازات، أهمها:
أ‌. التعبئة الوطنية والاجتماعية: نجح النظام في حشد طاقات المجتمع وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية والاجتماعية، خصوصًا في السبعينيات.
ب‌. الاعتماد على الثروة الوطنية: قدّم نموذجًا للتنمية بالاستناد إلى تأميم النفط كأداة سيادة اقتصادية وتمويل للمشروعات الكبرى.
ت‌. التعليم ومحو الأمية: استطاع العراق في الثمانينيات أن يحقق قفزات نوعية في التعليم، حتى حظي باعتراف من اليونسكو بكونه أحد أنجح برامج محو الأمية في المنطقة.
ث‌. الصحة والبنية الاجتماعية: توسّع النظام الصحي بشكل لافت، مع مجانية العلاج، إضافة إلى بناء منظومة واسعة من الخدمات الاجتماعية والدعم الحكومي.
ج‌. الصناعة والزراعة: أُنشئت قاعدة صناعية وزراعية كبيرة، وأدّت إلى تحسين كبير في الأمن الغذائي.
ح‌. إعادة تشكيل الطبقة الوسطى: ساهمت سياسات التعليم والتوظيف الحكومي في توسيع الطبقة الوسطى، مما عزّز الاستقرار الاجتماعي لفترة من الزمن.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.