مستقبل التعليم الجامعي في السودان مهدد: الحرب والرسوم الباهظة والهجرة تعيق حق الطالب في التعلم

صحيفة الهدف

راما عبد الله

#ملف_الهدف_الاقتصادي

رسوم الجامعات السودانية الحكومية على النفقة الخاصة ظهرت كأزمة حقيقية هذا العام الدراسي ٢٠٢٣– ٢٠٢٤م، ارتفاع خيالي يتجاوز قدرة غالبية الطلاب وأولياء الأمور. الأسعار المبالغ فيها تأتي في وقت يعاني فيه السودان من تداعيات الحرب المستمرة، والتي أثرت على الاقتصاد والبنية التحتية وساهمت في زيادة أعباء المعيشة، وجعلت التعليم عبئًا أكبر على الأسر.
وزارة التربية والتعليم العالي مطالبة بالإجابة عن سؤال أساسي: كيف يمكن للطلاب دفع هذه المبالغ الباهظة في ظل بطالة مرتفعة ورواتب لا تكفي لسد احتياجات الأسرة اليومية؟ وحتى أولئك القادرون على الدفع قد يفضلون إرسال أبنائهم للدراسة في الخارج، حيث تتوافر الجامعات على بيئة تعليمية متكاملة تشمل معامل حديثة، مكتبات مجهزة، تدريب عملي، سكن مريح، وطعام صحي بأسعار معقولة، إضافة إلى دعم نفسي وصحي ورفاهية تعليمية لا تقدمها الجامعات المحلية في الوقت الراهن.
الحرب أثرت بشكل مباشر على التعليم في السودان، حيث تضررت العديد من المدارس والجامعات، وتوقف بعضها عن تقديم خدماته، وصعبت حركة الطلاب نحو الحرم الجامعي. هذه التحديات أدت إلى زيادة تكاليف المعيشة اليومية، وجعلت التعليم عبئًا مضاعفًا على الأسر. الهجرة الكبيرة للسودانيين إلى الخارج زادت من تعقيد الوضع، حيث انخفض الإقبال على الجامعات المحلية، خاصة في المدن الكبرى، ما انعكس على حركة القبول والتسجيل، وأثر على استقرار بعض الكليات وجعلها تواجه تحديات اقتصادية إضافية، من بينها انخفاض التمويل وزيادة العبء المالي على الطلاب.
الجامعات من المفترض أن تكون داعمًا لنجاح الطلاب، لا أن تتحول إلى جهة تضيف الأعباء عليهم. فالمساعدات المالية، المنح، القروض الدراسية، وتغطية تكاليف الكتب، يجب أن تكون جزءًا من دعم الطلاب، لا أن يكون الطالب هو الداعم الأساسي للجامعة.
من الواجب على كل الولايات أن تؤهل وتفتح الجامعات الحكومية، وتوفر بيئة تعليمية عادلة تتيح لكل طالب فرصة التعلم بغض النظر عن قدرته المالية.
نحن نعلم أن نسبة المنافسة في الجامعات أصبحت تعتمد على المال، وليست على المستوى الأكاديمي، وحتى الطلاب المتفوقون لا يمكنهم دخول الجامعات إذا لم يتمكنوا من دفع الرسوم الباهظة، بينما الطلاب الأقل تحصيلًا قد يستطيعون الدخول إذا توافرت لديهم القدرة المالية، وهو واقع مؤلم يعكس أزمة التعليم العالي في السودان.
تفاصيل الرسوم الجامعية لهذا العام صادمة، وهاكم الارقام:
جامعة الخرطوم: كلية الطب: ٢٥ مليون جنيه/ ١٢ ألف دولار، كليات التربية والعلوم: ٥ ملايين جنيه/ ٢ ألف دولار.
جامعة أم درمان الإسلامية: الطب والعلوم الصحية: ٥ ملايين جنيه/ ٦ آلاف دولار، الصيدلة: ٤ ملايين جنيه/ ٤ آلاف دولار. كلية التربية: ١,٢ مليون جنيه/ ١ ألف دولار.
جامعة الجزيرة: كلية الطب: ٦ ملايين جنيه/ ٨ آلاف دولار، الإنتاج الحيواني: ٦٠٠ ألف جنيه/ ١,٥ ألف دولار، كلية العلوم الزراعية: ٦٠٠ ألف جنيه/ ١,٥ ألف دولار.
وبسبب أزمة الرسوم هذي تم إغلاق كلية لأجل غير مسمى، وسط رفض الطلاب وأولياء الأمور لهذه الرسوم، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرة التعليم الجامعي على الاستمرار كحق متاح للجميع.
التعليم الجامعي في السودان يواجه اليوم خطرًا حقيقيًا، ليس فقط بسبب الرسوم الباهظة، بل أيضًا بسبب تداعيات الحرب والهجرة الكبيرة للسودانيين، التي أثرت على البنية التحتية للجامعات، وانخفاض الإقبال على الدراسة داخل البلاد، وحرمان الطلاب من فرص التعلم المتكافئة.
في ظل هذه الأرقام الفلكية للرسوم يبقى السؤال: هل ستظل الجامعات حكراً على القادرين مالياً، أم ستعود لتؤدي دورها الأساسي في بناء جيل قادر ومتعلم، رغم كل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد؟

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.