
محمد شريف
#ملف_الهدف_الاقتصادي
في خضم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها السودان، يواجه المتقاعدون تحديات غير مسبوقة، من تدني قيمة معاشاتهم وتدهور أوضاعهم المعيشية، إلى انعدام الخدمات الأساسية. في ظل هذا الواقع المرير، تبرز الجمعيات التعاونية كحلٍّ مبتكر وفعّال يمكن أن يعيد الأمل ويضمن الكرامة لهذه الفئة التي أفنت عمرها في خدمة الوطن.
من منظور العمل الاقتصادي، الجمعيات التعاونية ليست مجرد كيان اجتماعي بسيط، بل تُعتبر أداة استثمارية تعتمد على الإدارة الجماعية للموارد وتحقيق الاستفادة المشتركة لأكبر عدد من الأعضاء. الجمعيات الناجحة ترتكز على التكافل، الشفافية، وديناميكية الإدارة بعيدًا عن فكرة تحقيق الربح للفرد لصالح رفع حياة كافة المشاركين.
كيف يمكن استخدام هذا الأسلوب في دعم المتقاعدين؟
1- تأمين السلع والخدمات بأسعار تنافسية: عن طريق تأسيس جمعيات استهلاكية يديرها المتقاعدون بأنفسهم، يمكن تحقيق وفورات الشراء الجماعي وتخفيض الأسعار مع ضمان جودة المنتجات عبر التعاقدات المباشرة مع المنتجين.
2- مشاريع إنتاجية واستثمارية مضمونة: الاستثمار في مشروعات صغيرة ومتوسطة (ورش، مزارع، مشروعات خدمية) يُمكّن المتقاعدين من الاستفادة من خبراتهم، خلق فرص عمل جديدة، وضخ مصادر دخل منتظمة ومستقرة.
3- شبكات دعم اجتماعي وحلول نفسية: تأسيس الجمعيات يخلق منصات دعم معنوي ومجتمعي لأعضائها، ما يحدّ من التحديات النفسية والعزلة التي قد يعاني منها المتقاعد عند خروجه من سوق العمل.
رؤية تنفيذية لتطوير موارد المعاشات الحكومية:
1- إعادة توظيف أصول القطاعات العامة: الاستثمار في تحويل المباني أو الأراضي الحكومية المهملة إلى مشاريع اقتصادية (فنادق تراثية، أسواق شعبية، مشاريع ثقافية) يوفر عوائد تساهم بشكل مباشر في دعم صناديق المعاشات.
2- أولوية تشغيل المتقاعدين وأسرهم: هذه المشاريع تعطي أولوية للتشغيل والتوظيف لمن خدموا في تلك الجهات أو لأفراد أسرهم، ما يتحول به المعاش إلى منصة عملية وفرصة للتمكين الاقتصادي.
3- خدمات وبنيات تحتية تراعي خصوصية كبار السن: استثمار الموارد قد يشمل إعادة تأهيل مرافق صحية، مراكز علاج طبيعي، أو أندية متخصصة للمتقاعدين، مما يعزز جودة الحياة ويرسّخ الاستقرار الاجتماعي.
4- الاستفادة من خبرات المتقاعدين: إشراك المتقاعدين في الأنشطة التوثيقية، تقديم الاستشارات، أو العمل في الفعاليات المجتمعية يمنحهم دورًا رمزيًا وماديًا.
5- نماذج تشاركية عادلة للاستثمار: إرساء عقود واضحة وشفافة تضمن توجيه نسبة من أرباح أي مشروع لصالح صناديق دعم محلية خاصة بالمتقاعدين، مع ضمان الاستمرارية والمشاركة المجتمعية.
الصعوبات والتحديات المرتبطة بالبيئة الحالية في السودان:
– هشاشة الوضع الأمني تحد من حرية التنقل وتبعثر جهود التوزيع والتسويق.
– تراجع الثقة في المؤسسات الرسمية يتطلب فصل الجمعية عن أي جهة حكومية لضمان جذب العضوية والمشاركة الفعالة.
– ضعف البنية التحتية المالية يجعل من الضروري التفكير في طرق تمويل بديلة أو مشاريع تعتمد على الشراكة والتمويل الجماعي.
– تعدّد الجهات المعنية بالأصول يؤدي إلى صراعات إدارية تضر بأي محاولة تطوير.
– انخفاض قيمة كثير من الأصول العامة بسبب الإهمال يزيد تعقيد العائد على الاستثمار.
– ضعف ثقافة التعاون الاقتصادي بين المواطن العادي يجعل عملية الترويج لأي جهد تعاوني أصعب من المعتاد.
– الانقسامات السياسية والمناطقية قد تعرقل أي توجه نحو توحيد الجهود في مشاريع جماعية فعالة.
– غياب الشفافية ووضوح المعلومات في إدارة المشاريع يهدد بغرق الجهود في مشاكل سوء الإدارة أو شبهات الفساد.
من هنا، لابد لأي مبادرة أو خطة جادة أن تعتمد الحوكمة الرشيدة، تمكين الكفاءات المتخصصة، وبناء شراكات متعددة بين القطاع العام، الخاص، والمجتمع المدني لضمان تخطي العقبات وتحقيق عوائد مستدامة لفئة المتقاعدين. بدون إدارة محترفة، شفافة ومرنة، ستظل المبادرات التعاونية تعاني من محدودية التأثير والاستدامة.
Leave a Reply