
محمد الأمين أبوزيد
هذا المقال يجترح محاولة تحليلية لبيان المجموعة الرباعية، المؤرخ 2025/9/13، بشأن الحرب في السودان، التي تشكل أسوأ كارثة إنسانية في العالم ومخاطر جسيمة على السلم والأمن الإقليمييّن.
عجز طرفي الحرب وغياب القوى السياسية
هنا لابد من الإقرار بأن عجز طرفي الحرب وتعنتهما وعدم تقديرهما للمسؤولية الوطنية الأخلاقية، وغياب القوى السياسية والمدنية عن تمثل دورها في وقف الحرب؛ ما سبق شكّل بيئة خصبة أمام التدخل الأجنبي بشكل مباشر أو غير مباشر.
عجز وتعنت الطرفين العسكرييّن (الجيش والدعم السريع) خلق فراغًا سياسيًا وأمنيًا لا يمكن الإشاحة عنه لدى دول الجوار أو القوى الكبرى.
حينما يفشل الجيش والدعم السريع في تقديم مشروع وطني؛ يصبح الخارج أكثر استعدادًا لفرض حلول من الخارج تحت ذرائع الاستقرار وحماية وحدة السودان. القوى السياسية المدنية منقسمة ومهمشة وبعضها أسير للمحاور الإقليمية والدولية، لا توجد جبهة مدنية موحدة تستطيع، ككتلة حرجة، تمثيل الشارع والضغط بفعالية على الطرفين كما حدث في ثورة ديسمبر.
يأخذ التدخل أنماط عديدة دبلوماسي/سياسي؛ من خلال فرض مبادرات سلام وخارطة طريق كالرباعية أو تدخل الأمم المتحدة.
اقتصادي/ تمويلي؛ بتبني شروط للدعم الاقتصادي محكومة بتبني ترتيبات سياسية وأمنية. أمني/ عسكري؛ بإرسال قوات مراقبة أو حماية دولية.
نقاط البيان الجوهرية:
1-الاعتراف بعدم جدوى الحل العسكري، وهذا مهم لأنه يعترف بأن الاستمرار في القتال يزيد من الأوضاع الإنسانية سوءًا ويعقّد بالنتيجة المسارات السياسية.
2-هدنة إنسانية مبدئية لمدة ثلاثة أشهر، وذلك لتمكين وصول المساعدات الإنسانية ثم الانتقال إلى وقف دائم لإطلاق النار.
3-خارطة طريق لمرحلة انتقالية مدتها تسعة أشهر نحو حكم مدني وإشراك المجتمع الدولي رقابةً ودعمًا.
4-التأكيد على سلامة السودان ووحدة أراضيه، وهذا يعني رفض التقسيم وإقامة كيانٍ موازٍ.
5_إشراك جهات إقليمية ودولية متعددة؛ الاتحاد الأفريقي، جامعة الدول العربية، ومؤسسات أخرى، وهذا لتشكيل شبكة ضغط واسعة لتنفيذ الاتفاق.
6-مستقبل السودان لا يمكن أن تمليه الجماعات المتطرفة التي تنتمي أو ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين، وهذا يعتبر موقف سيفكك التحالف السياسي والعسكري الجوهري الذي يوصف بتأييد الجيش.
إجمالًا، يعتبر البيان نقلة كبيرة في مسار الحرب، وسيكون له ما بعده، رغم المخاوف المرتبطة بالتعقيدات الميدانية وضمانات التنفيذ وآليات المتابعة التب كثيرًا ما أضعفت المبادرات المشابهة.
مقاربة بين مبادرة جدة والرباعية
أوجه التشابه والاختلاف، المزايا ونقاط الضعف، تساعد على فهم ما الجديد في الرباعية، وكيف يمكن أن تتجاوز عثرات منبر جدة.
منبر جدة أُدير بشراكة بين السعودية وأمريكا، بدعم من أطراف دولية وإقليمية، بدأ في مايو 2023، مع التركيز على إنهاء العمليات العسكرية وخارطة طريق نحو تسوية سياسية وسلمية.
مبادرة الرباعية إطار واضح، مبادئ وجدول زمني لإنهاء الحرب وانتقال سياسي مدني، مع تأكيد على سيادة السودان ووحدته، وتحذير وموقف واضح من الجماعات المتطرفة المرتبطة بالإخوان.
إنّ أوجه التشابه تتمثل في التركيز على وقف إطلاق النار، والحل السلمي، مشاركة دولية وإقليمية للضغط والدعم وضمانات الحوار والتنفيذ. أهمية الشرعية في منبر جدة كانت قصرًا على طرفي الحرب، أما الرباعية تضع قيادة مدنية شرعية واسعة النطاق.
أما الاختلافات فتتمثل في أنّ منبر جدة لم يضع جدول زمني صارم أو التزامات بمدد معينة للتحول السياسي، أما الرباعية أعلنت جدولًا زمنيًا محددًا. آليات التنفيذ في منبر جدة كانت ضعيفة، ولذلك كثير من التعهدات لم تُنفّذ، ولم يكن هناك تركيز على العقوبات وآليات المراقبة.
في الرباعية البيان يتضمن التزامًا بمتابعة وضغط لضمان التنفيذ ومشاركة دولية أقوى. منبر جدة لم يُشِر إلى استبعاد المتطرفين وموقع الجماعات ذات الصلة بالإخوان في المستقبل السياسي، بينما الرباعية تضمنت بندًا صريحًا بأن الجماعات المتطرفة العنيفة المرتبطة بالإخوان، لا يمكن أن تملي مستقبل السودان.
السيناريوهات المحتملة:
1-السيناريو الأول النجاح التدريجي للرباعية، وهذا يعتمد على القبول التدريجي، بدءًا بالهدنة وفتح المسارات الإنسانية بإشراف أممي، ومن ثم المفاوضات السياسية بإشراك القوى المدنية والسياسية وبعض الحركات المسلحة.
2-الجمود والمرواحة، بأن تتظاهر الأطراف العسكرية بالرغبة في الحوار، ولكنها تستمر في القتال للسيطرة على المزيد من الأرض، والمجتمع المدني يبقى مقصي أو ضعيف التمثيل.
3-فشل كامل وتصعيد، وهذا اسوأ السيناريوهات، حيث تنهار محاولات وقف إطلاق النار، وتصعّد الأطراف ضد الرباعية إعلاميًا وسياسيًا، تزايد التدخلات الإقليمية بدعم طرف ضد آخر. النتيجة؛ تتسع الحرب لتشمل مناطق جديدة شمالًا وشرقًا، وتقسيم فعلي للبلاد إلى سلطات أمر واقع.
يبقى نجاح مهمة الرباعية مرتهن إلى حدٍ كبيرٍ بتحرر أطراف النزاع من التأثيرات السياسية، وتمتعها بقدر من الاستقلالية والإرادة والشجاعة في إيقاف الحرب، وعلى مستوى القوى المدنية تأسيس جبهة مدنية سياسية واسعة وموحدة تشكل كتلة ضاغطة لوقف الحرب واسئناف مسار التحول المدني الديمقراطي.
Leave a Reply