المِنَصّة الَشبابيّة

صحيفة الهدف

انطلاقًا من حقيقة أن الشباب هم صناع الحاضر العربي، وجوهر قوته وحيويته، وهم قادة مستقبله؛ فقد تم تأسيس هذه المنصة الشبابية لتكون باباً جديداً من أبواب النشر لمكتب الثقافة والإعلام القومي، لتطل على الشباب العربي من خلال مناقشة شؤونه وطرح قضاياه الراهنة، والتعبير عن تطلعاته المستقبلية. وهي مخصصة حصرياً لنشر كتابات الشباب وإبداعاتهم في المجالات الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وإلاعلامية، وذلك لتعميق مساهمتهم في الدفاع عن قضايا أمتنا العربية وصناعة مستقبلها. كذلك فإن المنصة تعنى بمتابعة ما يصدر من موضوعات ثقافية وإعلامية وفنية في وسائل الإعلام العربية ودول المهجر، والتي لها علاقة بقضايا الشباب في الوطن العربي، وترجمة ونشر ما يخدم منها في مواجهة تحديات الأمة وتحقيق نهضتها الحضارية الشاملة.

مَا بيْنَ الأَمْسِ واليَوْم..

هَل تغَيّرَ القُدْوَة، أَم تَغَيَّرَ المَفْهُوم؟

سعد الرشيد

    كان يا ما كان، في زمنٍ ليس ببعيد، كان الطفل إذا سألته معلمته أو معلمه عن طموحه، أجاب على الفور: «أريد أن أصبح طبيبًا»… أو «مهندسًا»… أو «ضابطًا يحمي الوطن».

    كانت تلك الإجابات تنبض بالفخر، تعكس قيمًا راسخة، يوم كان العلم والمعرفة تاجًاً على الرؤوس، ويوم كانت برامج الأطفال تحمل رسالة صادقة، تغرس الفضيلة في النفوس الصغيرة، وتوجّهها نحو طريق المجد: علم، ومعرفة، وتفوّق، ونجاح.

   كبر أولئك الصغار، وتحوّلوا إلى شبابٍ يعلوهم الطموح، يتزينون بأحلامٍ كبيرة. وكان المجتمع، والدولة، والصحافة، والإعلام، يحتفون بالعلماء والأطباء والمفكرين والأدباء والشعراء، ويقدّمونهم كنماذج مضيئة للأجيال. ومن بين كتب المناهج الدراسية، وصفحات الجرائد، ومجلات الثقافة، تسلّلت قصص العظماء إلى قلوب الناشئة، فكوّنت أجيالًا رصينة، تعرف غايتها وتحمل أمانة الأمة فوق أكتافها، فكانوا بحق أجيال رسالة.

    العولمة وبداية عصر التفاهة

ثم مضى ذلك الزمان، وجاءت العولمة كريحٍ عاتية، تحمل معها بريق التكنولوجيا وفتنة الشاشات، وتهمس في آذان الناس: «العالم قرية صغيرة».

لكن خلف هذا البريق، كان ثمة تيار خفيّ يعمل على قلب المفاهيم، وإزاحة القيم الأصيلة، واستبدالها بما يضعف العقول ويهدم الأخلاق.

وباسم الحرية والانفتاح، صارت الأضواء تُسلّط على الفارغين والفاشلين، حتى غدوا مشاهير وأثرياء، بل وأصحاب قرار، بينما أصحاب الشهادات والخبرات يُركَنون في الظلال. وباتت وسائل التواصل والفضائيات مسرحًا لما يُسمّى «المؤثرين»، الذين يقيسون قيمتهم بعدد المتابعين، لا بما يقدّمونه من فكر أو علم أو نفع.

مشاهد تدق ناقوس الخطر

في أروقة المدارس اليوم، يسأل المعلم تلاميذه عن أحلامهم، فيقول طفلٌ صغير: «أريد أن أصبح حراميًا»! وتجيبه طفلة: «أريد أن أكون …. »!

أي مسافة شاسعة تفصل بين حلم الأمس وحلم اليوم! لقد تغيّرت البوصلة، وتلوّثت الطموحات، بفعل رسائل خفية تتسلل إلى اللاوعي عبر شاشات الهواتف، وألعاب الفيديو، وبرامج الواقع، حتى بات القدوة في عيون الأطفال شخصاً لا يحمل علماً ولا رسالة، بل محتوى تافهاً وثرثرة فارغة.

نفتح الإنترنت فنرى مشهداً مكرراً: من يقدّم سفاهة أو ابتذالًا يتابعه الملايين، بينما أصحاب الفكر الراقي والمعرفة العميقة لا يتجاوز متابعوهم بضع مئات.

استهداف ممنهج… وبصمات إقليمية واضحة

هذا هو حال وطننا العربي عامة. وفي عراق اليوم، كما في أي بقعة عربية وصلت إليها الهيمنة والنفوذ الإيراني، لم يعد الأمر مجرد تراجع ثقافي أو انحراف إعلامي عابر وحسب؛ بل أصبح مشروعًا متكاملًا له أبعاد مضافة، تمسك إيران بخيوطه عبر الأحزاب الموالية لها التي تمسك بمفاصل الحكم او التأثير. لقد أحكمت قبضتها على منظومة التربية والتعليم، فبدل أن تكون المدرسة مصنعًا للعقول، تحولت إلى أداة لتفريغها.

في المناهج، حُذفت صفحات من التاريخ المشرق، وأُقحمت روايات مشوهة تخدم أجندات خارجية. وفي الأنشطة، غاب الإبداع والتفكير النقدي، وحلّت محلها شعارات جوفاء، وخرافات فارغة، واحتفالات شكلية تلمع رموزًا لا علاقة لها بالعلم ولا بالإنجاز.

وسائل الإعلام التابعة لهذه الأحزاب أو القوى لا تكتفي بتجاهل الكفاءات، بل تعمل على صناعة “قدوات” من تافهين وفارغين، يُدفع بهم إلى الواجهة ليصبحوا رموز الجيل الجديد. حتى الجامعات لم تسلم؛ إذ أُغرق بعضها بفعاليات موجهة، وخطاب تعبوي سلبي يقتل روح البحث العلمي ويغذي الانقسام والولاء الأعمى.

إنها عملية ممنهجة لغرس الجهل والتخلف، لتدمير الأجيال الصاعدة في أمتنا العربية من الداخل، وصنع أجيال هشّة الفكر، ضعيفة الطموح، سهلة الانقياد. والغاية واضحة: شعب مشغول بتوافه الأمور، بعيد عن الوعي، يسهل التحكم به وإبقاؤه في دائرة العجز والانكسار.

إنهم باختصار ..

يسرقون الوعي؛

يغرسون الجهل كما تُغرس الأشواك في القلب،

ويُلبسون التافهين ثوب القداسة،

يطردون العقل من الساحة،

ويطفئون نور الفكر،

لتبقى الأجيال تدور في ليلٍ بلا فجر.

  ختامًا ..

  إن مواجهة هذا التلوث الفكري واجب لا يقبل التأجيل.

  لا بد من وقفة جادة تعيد الاعتبار للقدوة الحقيقية، وتمنح الأضواء لمن يستحقها من العلماء والأطباء والمهندسين والخبراء والمفكرين والأدباء، وكل البُناة الحقيقيين، أولئك الذين يصنعون الحضارة ويحملون شعلة النهضة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.