
زكريا نمر
كاتب من جنوب السودان
#ملف_الهدف_الثقافي
أصبح الزواج في مجتمعات اليوم مشروعًا تجاريًا معقدًا أكثر من كونه تتويجًا للحب بين شخصين. لم يعد الزواج مجرد رابطة عاطفية صادقة، بل أصبح صراعًا بين التقاليد والعادات والمال والدين والقبيلة. وفي بعض المجتمعات، يضاف إليه بُعد التمييز العرقي، حيث يرفض البعض الزواج من شخص لونه أسود، أو مختلف عن لونهم. هذا الشكل من التمييز ليس مجرد تفضيل شخصي، بل يمثل عقبة ثقافية واجتماعية كبيرة، ويظهر كيف يركض مجتمعنا خلف التخلف الاجتماعي بدلاً من تحرير الحب والحياة الشخصية من القيود.
إن قيود العادات والتقاليد، التي تحوّل الزواج إلى صفقة اجتماعية مقدسة، هي السبب الرئيسي لفشل قصص الحب في كثير من المجتمعات. أصبح الزواج معقدًا بشكل لا يصدق، يحتاج إلى سنوات من التخطيط والجهد والاستدانة والمساومات المستمرة بين الأطراف المعنية، حتى يصل الفرد إلى هدفه، وغالبًا ما يفقد الشغف مع أول خطوة بسبب الاستنزاف العقلي والجسدي وفقدان البساطة التي كان الحب من أجلها في البداية. الروتين وفواتير التباهي والضغوط الاجتماعية والالتزامات الشكلية كلها عوامل تقتل الحب في مهده قبل أن ينمو، وتترك العشاق منهكين وعاجزين عن الاستمتاع ببساطة العلاقة الإنسانية.
السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا: إلى أي مدى يمكن لمن يحب أن يقدم التنازلات عن المفروض عليه، ويتمرد على السائد، ويتجاوز ثقافة الأهل وعادات المجتمع ليعيش حبه بحرية وصدق؟ وإلى أي مدى يقدّر الطرف الآخر هذا التنازل دون اعتباره ضعفًا أو تفريطًا في الحقوق؟ وهل الحب يستحق أن ندفع ثمن التمرد والخسارة، ونتحدى من حولنا، بل ونتحدى مجتمعًا بأكمله من أجل حرية اختيارنا؟
كثيرون يعتقدون أن تكلفة الزواج الباهظة وفخامة الاحتفال والمهر والشبكة والشقة والشروط التعجيزية هي ضمانة لاستمرار العلاقة، لكن الواقع يخبرنا بالعكس. البيوت المدمرة، والقلوب المحطمة، والأبناء المقهورون، والمحاكم المزدحمة بالقضايا، كلها تدل على أن المال والمظاهر لا يصنعان الحب، ولا يحميان من الفشل. بينما في الغرب نجد أن الزواج البسيط الذي يعتمد فقط على موافقة الطرفين، دون الانغماس في تعقيدات المجتمع، يمنح الحب فرصة للنمو ويجعل الشريكين أكثر وضوحًا وفهمًا وقدرة على إدارة العلاقة بوعي ومسؤولية حتى عند الانفصال.
أسأل هنا بعض الأسئلة العميقة.. هل تقبلان الزواج البسيط بالمشاركة، حيث يبني الطرفان حياتهما سويًا دون الخضوع لشروط المجتمع الباهظة؟ وهل يفعلان ذلك مهما كانت التنازلات؟ هل تقبلان مواجهة العالم بأكمله، من أقرب الناس وحتى القوانين، للحفاظ على حبكما، دون تقديم تنازلات قسرية أو الخضوع لضغوط المجتمع؟
هل يمكن أن يستمر الحب رغم اختلاف المستوى المادي والاجتماعي والعلمي، أو حتى الدين والقبيلة؟ وهل ستنتظر شريكك مهما طال الزمن، دون أن تضغط عليه ضغوط المجتمع؟ وهل ستقاتلان معًا وتتحديان كل العقبات لتعيشا حبكما بحرية واختيار حقيقي؟ وإذا واجهت الاختيار بين رضا الأهل المحكوم بفكر رجعي وبين اختيار قلبك، فأي الطريقين ستختار؟ هل ستستسلم للقيود التقليدية أم تختار الحب الذي يرفعك ويحررك؟ وهل الحب يستحق التضحية بكل شيء من أجل الحفاظ عليه؟.
قولي لأولئك الذين يفهمون معنى التنازل والتضحية ويقدرون الحب الصادق بعيدًا عن المال أو المظاهر: إن قيمة الإنسان لا تقاس بما يدفعه، بل بما يعطيه من وفاء وإخلاص. العادات والتقاليد والثقافة والدين والفقر دفنت كثيرًا من قصص الحب الصادقة، وجعلت الأحباء يقضون حياتهم في غربة داخلية، بعيدًا عن من يستحقون أن يحبوا ويعيشوا الحب بكل أبعاده حتى في أبسط صورة للعيش المشترك. أما أولئك الذين يعرفون ويفهمون ويقدرون الحب الحقيقي، فهم من يمكنهم مواجهة المجتمع والعادات والتمييز ليصنعوا حياتهم بأنفسهم بحرية وصدق وإخلاص.
Leave a Reply