الثقافة بوابة السلام والتنمية

صحيفة الهدف

كمال باشري
#ملف_الهدف_الثقافي
“الثقافة تفعل ما تعجز عنه السياسة” مقولة عميقة ولها الكثير من المصداقية في العديد من السياقات، ولفهم مدى صحتها يمكننا تحليل العلاقة بين الثقافة والسياسة:
تجاوز الحواجز:
السياسة غالبًا ما تكون مقيدة بالحدود الوطنية، المصالح الضيقة، الاتفاقيات الرسمية، والصراعات المباشرة. بينما الثقافة (الفن، الأدب، الموسيقى، القيم المشتركة، التقاليد، اللغة) يمكنها أن تتجاوز هذه الحواجز وتصل إلى القلوب والعقول بشكل أعمق وأكثر استدامة.
بناء الجسور:
في أوقات التوتر والصراع السياسي، يمكن للمد الثقافي أن يفتح قنوات الحوار والتفاهم بين الشعوب باختلافاتها الإثنية، حيث تفشل المعاملات الرسمية. ويمكن للموسيقى أو الشعر والسرد أن تخلق تعاطفًا وتفهمًا متبادلًا بين أطراف متنازعة.
التأثير طويل الأمد:
التغييرات السياسية يمكن أن تكون سريعة ومتقلبة، ولكن التغيير الثقافي أكثر رسوخًا. وعندما تتغير القيم والمعتقدات الثقافية للمجتمع، فإن ذلك يؤثر بشكل عميق على توجهاته وسلوكياته بما في ذلك خياراته السياسية. فالثقافة تشكل الهوية الجمعية وتؤثر على النظرة للوطن.
القوة الناعمة:
الثقافة هي تجسيد للقوة الناعمة للدولة أو المجتمع من خلال نشر قيمها وفنونها وأسلوب حياتها، مما يمكّن الدولة من اكتساب نفوذ وتأثير أكبر بكثير مما تستطيع تحقيقه عبر الوسائل السياسية أو العسكرية.
تغيير العقليات:
السياسة تتعامل غالبًا مع القوانين والقرارات والإجراءات، بيد أن الثقافة تتعامل مع الأفكار، المشاعر، المعتقدات، والعقليات. ولتغيير المجتمع بشكل حقيقي ومستدام يجب تغيير العقليات، وهذا هو الدور الأساسي للثقافة.
وعندما تكون هناك ضغوط سياسية واقتصادية، تكون الرغبة الثقافية في الحرية والانفتاح وتُغذّى بالفن والموسيقى والأفكار الثقافية، وهي التي لعبت دورًا حاسمًا في انهيار الأنظمة القمعية في السودان.
إن الثورات المدنية في السودان لم تكن مجرد معارك سياسية، بل كانت حركات ثقافية عميقة غيرت النظرة إلى العرق والمساواة في المجتمع.
وفي العديد من دول العالم، لعب الفن والأدب والموسيقى دورًا كبيرًا في توحيد الشعوب ضد الأنظمة القمعية عندما كانت القنوات السياسية مغلقة.
ومن المهم الإشارة إلى أن العلاقة ليست أحادية الاتجاه؛ فالسياسة يمكن أن تؤثر بقوة على الثقافة أيضًا من خلال الدعم أو القمع، كسن القوانين التي تؤثر على الفنون والإعلام أو تشجيع توجهات ثقافية معينة. والثقافة والسياسة غالبًا ما تتفاعلان وتتأثران ببعضهما البعض.
أخيرًا، يمكن القول إن الثقافة تمتلك القدرة على الوصول إلى جوهر الإنسان والمجتمع بطرق لا تستطيع السياسة المجردة تحقيقها، كما تستطيع الثقافة بناء التفاهم وتشكيل الهوية وتغيير العقليات على المدى الطويل، مما يجعلها قوة دافعة للتغيير تتجاوز غالبًا حدود وتنازلات العمل السياسي المباشر

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.